رُبَ خير لم تناله كان شراً لو أتاك
رُبَ شر قد أصابك .. ولكنه إلى الخير هداك !
يحكى أن هناك رجلاً كان يملك أجمل بستان فى المدينة قيل إن اسمه هو "بستان السعادة" مر يوماً من أمام ذلك البستان شاب حزين. وقف الشاب فى مدخل البستان وتجول بنظره فى أرجائه الواسعة فوجد أشجاراً لا حصر لها لكافة أنواع الفواكه والثمار، أشكال مختلفة من الزهور والورود التى لا مثيل لها، مزيج رائحة الورود ينشر بالمكان عطراً فريداً أقل ما يوصف به أنه رائحة الجمال، وفى وسط البستان نبع تتدفق منه المياه العذبة تجرى من خلال جداول صغيرة إلى كافة أرجاء البستان شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً. طعم الماء عندما تتذوقه أقرب ما يكون إلى العسل شديد النقاء، جلس الشاب فى مدخل البستان وبعد تنهيدة طويلة قال بصوت مرتفع "إنها الجنة التى لا يوجد بها مكان للحزن" أو كما قال، وأخذ يردد ويصرح عن رغبته الشديدة فى البقاء بهذا المكان إلى الأبد.
وفجأة سمع الشاب صوتاً يأتى من آخر البستان كان ذلك هو صوت صاحب "بستان السعادة" والذى وقف أما الشاب قائلاً بأنه سوف يعقد معه صفقة مفادها أن يترك له البستان لمدة يوماً كاملاً شريطة أن تغلق عليه كافة الأبواب وأن يبقى الشاب بداخله وحيداً طيلة هذا اليوم ! أتفق الطرفان على ذلك ووعده صاحب البستان بالمرور عليه فى الصباح للتأكد من مدى رغبته فى البقاء بالبستان إلى الأبد أو الرحيل والخروج منه مرة ثانية. رحل صاحب البستان وأغلق الأبواب بإحكام وقرر الشاب الحزين أن يغفو قليلاً وأنه وفور أن يستيقظ سوف يبدأ فى تناول ما لذ وطاب من الثمار والفواكه وشرب الماء الأجمل فى طعمه من العسل، وربما يختتم يومه بالاسترخاء والتجول بحديقة الزهور ذات الرائحة الخلابة.
واستيقظ الشاب بعد قيلولة قصيرة وذهب مسرعاً إلى أشجار الفاكهة ووقف أمامها مذهولاً ! فكل الثمار قد اختفت ظل يبحث هنا وهناك ولكن لا شيء ! دارت الأفكار والهواجس فى رأس الشاب فهل يا ترى عاد صاحب البستان أثناء قيلولته وأقتطف كل الثمار أم أنها سرقت أم أين ذهبت بحق الجحيم؟ وبدأ الحزن يتسلل لقلب الشاب ثانية فقرر أن يتخلى عن جزء من خططه لهذا اليوم ويذهب لشرب الماء العذب فقد أصابه العطش الشديد نتيجة تجوله لساعات بحثاً عن ثمرة واحدة دون فائدة ! ووصل أخيراً لنبع الماء ليصرخ أمامه صرخة وصل صوتها لآخر البستان. ماء النبع والجداول تعلوه طبقة من الرواسب والطحالب تجعل الماء يبدو عكراً وملوثاً ! فقرر الشاب ألا يشرب منه فالموت عطشاً لديه أهون كثيراً من رشفة واحدة من ذلك الماء. حاملاً حزنه الذى تزايد مع الوقت ذهب الشاب يلقى بهمومه داخل حديقة الزهور والورود فلعل جمالها قد يعيد له البريق الذى يفتقده، ولكنه سرعان ما تعرض لصدمته الثالثة فالورود والزهور التى كان يحسبها خلابة المنظر بدا شكلها عن قرب أقل جمالاً بل حتى لا يمكن لمسها أو الاقتراب منها فهى تحوى كم هائل من الأشواك يكفى لتحويل بياض اليدين إلى لوحة من الدماء حال لمسها.
منهكاً وحزيناً بعد كل ذلك الفشل قرر الشاب أن يبات ليلته خلف باب البستان المغلق منتظراً أن يأتى صاحب البستان فى الصباح ليخرجه من هذا الجحيم. وبالفعل، استيقظ الشاب فى الصباح على صوت صاحب البستان يسأله كيف قضيت يومك؟ وهل قررت حقاً البقاء هنا إلى الأبد ! صاح الشاب "فى بستان الحزن هذا بالقطع لا وألف لا". فأجابه صاحب البستان "كما تحب".
خرج الشاب وأمام الباب تهكم ببعض الكلمات قائلاً "أسموه بستان الحزن فما زادتنى زيارته إلا اكتئابا". رد عليه صاحب البستان يا فتى قد دخلت إلى هنا ساخطاً حزيناً وغير راضٍ عن حالك، دعنى أفسر إليك ما كنت تجهله. الأشجار فى بستان السعادة كمثيلتها فى الخارج لها وقت معلوم تثمر فيه ولكنك لم تصبر وربما لم تعرف أن من حكمة الله أنه قد يمنع عنك شيئاً اليوم ليعطيك ما تحتاجه غداً ! رفضت شرب الماء وحسبته ملوثاً ولكنه لم يكن كذلك فلو أزلت طبقة الرواسب من عليه لعلمت أن الماء كما كان فى الأصل لا زال نقياً ! وهذا درس ثانى لتعرف أن كل ما قد تحسبه شراً لك قد يحمل معه خيراً وفيراً. أما حديقة الورد فقد خدعتك بجمالها ورائحتها الذكية فأزهار البستان هذه أشواكها سامة ولكنك فى كل مرة تراها من بعيد مستحيل أن تلاحظ ذلك ! وهذا درس ثالث فلا تحزن على شيء قد فاتك فربما حسبته خيراً وكان فيه شراً كثيراً.
وقبل أن تترك البستان بقى درساً أخيراً يا بنى، الدنيا هى ما تراه عيونك فقرر أنتا وحدك هل لا زلت ترى أن الدنيا حزينة؟ أم أنها أيضاً "بستان السعادة".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة