حــســـن زايد يكتب: وذهبت إلى حيث لا أدرى

الثلاثاء، 30 أغسطس 2016 10:11 م
حــســـن زايد يكتب: وذهبت إلى حيث لا أدرى شخص حزين - أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أنا اسمى لا يهم.. أحداث حياتى منذ مولدى حتى تاريخه، لخصها الزمن واختصرها، ربما لكونها كانت أطول من اللازم. فرح، حزن، بهجة، غم، سعادة، ألم، هدوء، صخب، نجاح، فشل. توقفت حياتى قليلاً على أعتاب مرفأ التخرج، ربما لالتقاط الأنفاس اللاهثة. عينت معيدة بالكلية، وتقدم هو لخطبتى. هو رجل جرى تلخيص كل الرجال فيه، وطبيعى أن أحبه، ولا أرى فى الكون غيره، نهر من الحب الدافق ينهمر من الجنة. حركات، سكنات، همسات، لمسات، لفتات، نظرات، انغمست فى نهر الحب قبل أن تتقافز أمامنا، ومن بين أيدينا، ومن خلفنا. انبثق النور مع اختبار الحمل يسابق الزمن، طفلة قمرية تنسل من ظلمة الرحم إلى نور الحياة، ترضع، تنمو، تجلس، تحبو، تقف، تتعثر فى مشيتها الطفولية. 
 
فى زحمة الإنشغال بالزوج والبنت والعمل تعثرت حياتى فى ثديى الأيمن. كشف، وفحص، وتدقيق، وأشعات مختلفة. كان لابد من أخذ عينة للتحليل معملياً لإزالة الشكوك. عدت إلى البيت مستخفية وراء الابتسامة، والضحك، والمرح، والمداعبة، والنشاط، والحركة الدائبة. أكل قلبى القلق، ونهشته الوساوس، كوابيس، هلاوس، انتحر النوم على أعتاب جفونى. كنت حريصة على الدائرة الضيقة. عينة التحليل إيجابية، القرار استئصال أنوثتى، فكان لابد للدائرة أن تتسع. أخبرته. هرسه زلزال الصدمة، وإن حرص على أن يبدو متماسكاً هادئاً. أخبرته أن الإنسان لا يعيش مرتين، ولا يموت مرتين كذلك. بدأ الموت يطل بقرونه إلى داخل البيت بعد العملية، وبدء جرعات الكيماوى، ومع إطلالته هربت معانى وأشياء. كلاليب تكحت فى عظامى، وكلاباً مسعورة نهمة تنهش فى لحمى، وقصاصات زجاجية مدببة، تنغرس مع المشى فى باطن قدمى. 
 
ألوذ بالصمت. الملعون يتفلت مع كل محاولة للحصار. شحوب، ذبول، هزال عام، شعر متساقط، سطو على الحياة. لم يعد هناك مجال للإبقاء على الدائرة. نسيت أن أقول أنى تركت العمل راغمة، وطفلتى القمرية تصاحبنى فى البيت، كأنها نسختى بعثت من جديد. ترتمى فى حضنى المنهك، بعد أن ينهكها اللعب، وتنام فى هدوء. أواظب على تناول الأدوية من برشام وشراب وجرعات كيماوية. نفس بشرية تتهاوى متكسرة متفتتة على سندان الألم. لم أعد قادرة على الوقوف، أو الحركة، أو القيام، أو الجلوس. نسيت أن أقول أن أختى جاءت لخدمتنا بالبيت، ورعايتى، إنها البديل لأمى التى ماتت بذات المرض. كانت تبذل مجهوداًخرافياً. يبدوأن الذاكرة تآكلت كثيراً. فى البداية كان زوجى ممتناً لوجودها، حتى بدأ ينسحب من الحياة، مستغرقاً فى الفيسبوك، فترة وجوده فى البيت، لقد نسى تماماً حياتنا، وعاش الحياة الإفتراضية. مزهودة أنا، وعبء ثقيل. أينما وليت وجهى وجدته أمامى، تتخطفنى كلابيبه من كل حدب وصوب. لم أجد سوى شقيقتى لأوصيها بطفلتى. حملتنى سيارة الإسعاف إلى المستشفى، لإدخالى العناية المركزة. 
 
مكثت فيها ساعات أو أيام، لا أدرى. كانوا يدخلون على فرادى، ينظرون، وأنظر.. ألمح فى عيونهم دموعاً. لا يتحرك منى سوى جفنى. أين طفلتى القمرية ؟. دخلت شقيقتى وفى يدها طفلتى. لا أستطيع الحركة، ولا الكلام. لم أعد أحتمل حمل أجفانى الثقيلة، فسقطت منى، وذهبت إلى حيث لا أدرى.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة