"الحب قوة تستوعب الذات، قوة تتمدد وتتجاوز وتبسط يدها لما هو خارجها، أما الرغبة فهى اشتهاء للاستهلاك، اشتهاء للإشباع والتهام والابتلاع والهضم، فالحب ينمو ببقاء موضوعه ودوامه، والرغبة تدمر نفسها بنفسها.. الحب بطبيعته يسعى إلى إدامة الرغبة، وأما الرغبة فبطبيعتها تهرب من قيود الحب"، هكذا تحدث عالم الاجتماع الشهير "زيجمونت بومان"، فى كتابه "الحب السائل" عن الرغبة والحب فى العلاقات الإنسانية فى هذا العالم السائل كما وصفه.
وتقول هبة رؤؤف عزت مترجمة الكتاب أن زيجمونت باومان يرصد صيغ البحث عن الفائدة والخيارات الرشيدة وكيف دمرت ما تتسم به العلاقات الوجدانية من تلقائية – عاطفية، حيث حسابات المجتمع الإستهلاكى الحديث تقوم بتوليد الحاجات بشكل مستمر، وتحويل كل قديم لشىء مستهجن يستحق أن يوضع فى سلة النفايات، بما فى ذلك المشاعر والأجساد والصلات.
ويتحدث "باومان" فى هذا الكتاب عن النظرية الاجتماعية التى قدم إطارها فى كتب أخرى سابقة، ليحلل بشكل محدد خيارات الفرد الشخصية – العاطفية والجنسية – فى زمن الحداثة السائلة... حيث الحياة تخلت عن صلابة جذورها.
كما يحدثنا عن الحياة العاطفية، فيدخل إلى عالم الصلات العابرة ظنا منه أنه يتخفف من مسئوليات ولا يحرم نفسه من فرص قد تظهر وآفاق تستجد، لكنه يجد نفسه فى النهاية تعيسا يحتاج إلى مستشار نفسى يقود حياته أو خبراء ينصحونه بمقابل باهظ كيف يقيم علاقة طبيعية فى زمن لم يبق فيه طبيعى ولا صناعى على حاله، عالم النفايات كما يسميه باومان، حيث كل الصلات يمكن الاستغناء عنها – مثل منتج تم استهلاكه –فالعين تمتد دوما إلى ما وراء اللحظة وتتطلع إلى ما يتم تزيينه أنه الأفضل. . غيرراضية بما هو متاح.
"بومان" اختار وصف "اللذة" للحديث عن الرغبة المفرطة– ممارسة الجنس- التى حلت فى عصر الاستهلاك وجعلت العلاقات «أكثر صفاء» وبعبارة موجزة يشرح المؤلف "العلاقات الصافية" قائلا: إنها علاقة تشير إلى لقاء عابر لا يستهدف إلا اللذة والمتعة.
فى الفصل الأول من هذا الكتاب يتحدث باومان عن العلاقة بين الحب والموت، وعن فقدان الأفق والرغبة فى تحصيل عوائد الأفعال – الآن وهنا، بلا صبر أو تأجيل أو نقاش أو تفاوض، ورغم ما قد يستغربه البعض فى الربط بين الحب والموت، فالكاتب يرى أن المرء لا يمكن أن يتعلم الاثنين، فالحب والموت لهما أوان ولا يدرى أحد متى يأتيان"
كما يرى المؤلف أن التواصل عبر الموبايل ووسائل التواصل الاجتماعى هو الحالة النموذجية للعصر السائل الذى نعيشه فالعلاقة مؤقتة وليست مبنية على الالتزام والاستمرار وبنص المؤلف: الاتصالات ضحلة ومختصرة للغاية بحيث يستعصى تحويلها إلى روابط فهى اتصالات آنية تركز على موضوع الاتصال ولا تتطرق إلى موضوعات أخرى ولا تأخذ الشركاء بعيدا من الوقت والموضوع الذى تستغرقه كتابة الرسالة وقراءتها على العكس مما ترتكبه العلاقات الإنسانية المعروفة بنهمها وحماستها من اخطاء وخطايا».
ويرى باومان أن تكوين الأسرة يعنى الالتزام والتقيد بقيود وروابط شاقة لا تناسب إنسان العصر الاستهلاكى ومن ثم أصبح: تكوين الأسرة أشبه بالقفز فى ظلمات بعضها فوق بعض فهذا القرار-أى تكوين اسرة- يعنى التخلى عن أو إرجاء متع استهلاكية أخرى جذابة لم يجربها المرء ولا يعلمها ولا يتصورها وهذه تضحية غالية تتعارض تماما مع عادات المستهلك العاقل وهى ليست التضحية الوحيدة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة