لا يستطيع المتابع للأحداث فى العالم أن يلتقط أنفاسه جراء سرعة هذه الأحداث وتتابعها ودمويتها، فالجميع فى حالة من الاشتعال، وشرق العالم وغربه متربص ومستعد للإطاحة بالجميع، هذا ما يرصده الكاتب الفرنسى تييرى دو مونبريال فى كتابه المهم (عشرون عامًا قلبت موازيين العالم) الذى صدرت ترجمته العربية بجزئيه عن المركز القومى للترجمة وقد قام بترجمته كل من أمل الصبان وداليا الطوخى ومنى جلال ومها الباشا.
وفى الكتاب يقدم تييرى دو مونبريال، صورة للعالم عشية عام 1989، حيث كان النظام العالمى مزدودج القطبية ما بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى يتأرجح بينهما عالم ثالث محكوم بالمنافسة بين البلدان المتقدمة (تقليديًا) والبلدان (الصاعدة)، فقد تحققت النبوءة الخاصة بصعود القارة الأسيوية،ممثلة فى الصين والهند.
يبدأ مونبريال تحليلاته بالتأكيد على بروز ملامح ثورة جديدة فى أوروبا الشرقية الوسطى، وذلك بعد 4 سنوات من وصول ميخائيل جورباتشوف إلى السلطة فى الاتحاد السوفيتى عام 1985، وكان سقوط سور برلين فى شهر نوفمبر من تلك السنة إعلانا بتغيير وجه أوروبا، والعالم، فعبر ذلك الحدث – المنعطف - قررت الشعوب أن تصنع تاريخها مباشرة بعيدا عن جميع الوسطاء،الأمر الذى أدى إلى (إعادة تركيب) المنطقة الممتدة من بحر البلطيق إلى البحر الأسود، مما أدى إلى إعادة تركيب أوروبا كلها، وكان الحدث الأهم فى العام 1990 هو إعادة توحيد الأمة الألمانية بعد أن كانت مقسومة إلى شطرين طيلة فترة الحرب الباردة.
وكان عام 1992 هو عام الاضطرابات فى روسيا مع محاولة الانقلاب التى استطاع بوريس يلتسين بنهايتها أن يفرض نفسه بوصفه أول رئيس لروسيا بعد انهيار الشيوعية، بالتزامن مع ذلك شهدت منطقة البلقان اضطرابات ذات طابع قومى وعرقى.
ويحدد مونبريال الحدث الأكبر خلال السنوات العشر الأخيرة بتفجيرات نيويورك وواشنطن يوم 11 سبتمبر 2001، لقد أصبح هناك بكل بساطة ما قبل هذه التفجيرات وما بعدها، وبعد أن ردد الرئيس الأميركى جوروج دبليو بوش خطابا ينتمى إلى قانون صدام الحضارات وحرب الخير ضد الشر تبنى مقولة الحرب ضد الإرهاب، وكان الحدث الأكبر فى العقد الأخير هو الحرب على العراق فى ربيع عام 2003، ولا يتردد المؤلف فى وصف الحسابات الأميريكية الخاصة بشن تلك الحرب بأنها كانت خاطئة، وأدت إلى جعل سفينة العالم بلا قبطان.
إن تيرى دو مونبريال بما يمتلكه من خبرة متميزة وحنكة فى مجال التحليلات السياسية والاقتصادية يقدم للقارئ عملا فريدا يساعده على فهم عشرين عامًا كانت بمثابة فترة انتقالية فاصلة فى مستقبل البشرية وركيزة لبناء العلاقات الدولية فى مطلع القرن الحادى و العشرين.
والكتاب فى مجمله وثيقة تدين طريقة العالم فى التفكير العنيف، الذى ما إن يخرج من مشكلة حتى يسقط نفسه فى مشكلة أخرى بكامل إرادته ولا ينتهى الأمر إلا بمزيد من الضحايا والدماء الكثيرة والتعقيدات التى تعيد تشكيل خريطة العالم.
يذكر أن تييرى دو مونبريال خبير وباحث فى الاقتصاد والعلاقات الدولية، وهو أول مدير للمركز الفرنسى للتحليلات والتوقعات التابع لوزارة الخارجية الفرنسية، وهو الرئيس المؤسس للمؤتمر العالمى للسياسات العامة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة