حسن زايد يكتب: درس الوزيرة السويدية

الثلاثاء، 23 أغسطس 2016 10:00 م
حسن زايد يكتب:  درس الوزيرة السويدية خالد حنفى وزير التموين

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
المفترض فى الموظف العام أن لديه إحساس يحكمه فى تصرفاته، وفى كلامه، وفيما يأت أو يدع من التصرفات أو الكلام . حيث يلعب هذا الإحساس لعبة الضمير اليقظ الذى يرقب صاحبه، أينما حل أو ارتحل . هذا الإحساس يتربى داخل الموظف من طول عشرته مع القوانين واللوائح والنظام العام . كما يتولد بداخله الإحساس بالمسئولية حيال نفسه، وحيال مجتمعه .
 
 وكلما ارتقى الموظف فى السلم الوظيفى ارتقى هذا الإحساس وعلا . فإذا وصلنا إلى منصب الوزير، فلا ريب أن هذا الإحساس يبلغ منتهاه من العلو والرقى والرهافة . ويصبح الوزير فيه مدرسة يتتلمذ فيها من دونه فى السلم الوظيفى . ذلك كله يكون فى وقت العمل الرسمى، الذى قد يكون محكوماً ببعض الأطر البروتوكولية تتناسب مكانياً ومقامياً بحسب الموقع من الهيكل التنظيمى . فكيف يكون الموقف بعيداً عن الوزارة ؟ . والناس فى ذلك على مذهبين: 
 
الأول: يرى أن الموظف العام لابد وأن يحافظ على شكله ومظهره وتصرفاته بهذا الاعتبار . ولا يصح له الخروج على مقتضى ذلك.
 
 والثانى: يرى أن الموظف العام يعيش حياته الطبيعية بعد مواعيد العمل الرسمية دون التمسك المتزمت بالأطر البروتوكولية التى تحكمه فى عمله . وقد يصعب الانتصار لمذهب على حساب الآخر، لأن لكل منهما وجاهته . وللخروج من مأزق الاختيار بين المذهبين يمكننا القول إن هناك منظومة أخلاقية عامة حاكمة سواء داخل إطار وقت العمل الرسمى، أو خارج هذا الإطار . ومن بين عناصر هذه المنظومة عنصر اتقاء الشبهات . ومعنى اتقاء الشبهات، أن يجعل المرء بينه وبين الشبهات وقاية أو ساتر . أى لا يضع المرء ذاته فى موقف الشك، الذى يحتمل الوجهين . وإذ حدث ووقع فى هذا الشرك، سواء عن قصد أودون قصد، بإرادته الحرة أو مدفوعاً إليه، فإن عليه أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب .
 
 وهنا التقط طرف خبر نشره أحد الصحفيين فى إحدى الصحف القومية المصرية، وقد التقطه من وسائل الإعلام العالمية، ويتعلق بما حدث مع وزيرة التعليم العالى بالسويد . وقد قارن الصحفى بين موقفها وموقف وزير التعليم فى مصر، وهى مقارنة بلا شك لها دلالتها . إلا أننى قصدت إلى المقارنة بين موقف هذه الوزيرة والسيد وزير التموين المصرى فى التصرف خارج الوزارة . أى الوزير عندما يكون بعيداً عن الوزارة . فالوزيرة السويدية خرجت فى مؤتمر صحفى لتعلن استقالتها من الوزارة، لماذا ؟ . لأن الشرطة قد أوقفتها فى مدينة مالمو، وأجرت لها تحليلاً للدم . وقد أثبت التحليل وجود كحول بنسبة تجاوز النسبة المقررة قانوناً فى السويد . والسيدة الوزيرة كانت تسير هكذا ـ كما هو واضح ـ بلا موكب، وأن أفراد الكمين ـ بالضرورة ـ كانوا يعرفون أنها وزيرة، ولم يصبهم خوف أو وجل . ولم تتصل الوزيرة برئيس الوزراء كى ينتشلها من تلك الورطة . وقد أقرت الوزيرة أن ما حدث غلطة عمرها .
 
ومن هنا قدمت استقالتها . وهنا يثور التساؤل المنطقى حول علاقة ذلك بوزير التموين . تبدت العلاقة واضحة فيما أذيع ونشرعن السيد الوزير بشأن إقامته منذ استقدامه وزيراً فى أحد الفنادق الشهيرة بالقاهرة . الأمر الذى يتكلف مبالغ طائلة . وعندما أثير هذا الأمر جاء رد الوزير مفتقراً إلى الحس السياسى، إذ أنه بصفته وزيراً لابد أن تكون تصرفاته محكومة بظروف شعبه، الذى يعانى من أزمة اقتصادية طاحنة، يطلب منه التبرع لحلها . فإذا كان قد سبق هذا الرد، ما أشيع حول الفساد الذى طال منظومة الخبز والبطاقات الذكية، وهو المشروع الأثير الذى يفخر به السيد الوزير . وكذا ما انتهت إليه لجنة تقصى الحقائق حول الفساد الذى ضرب منظومة القمح، وهى المنظومة المرتبطة بوزير التموين . ففضلاً عن المسئولية السياسية للسيد وزير التموين، فقد تطاله بعد تحقيقات النيابة مسئولية جنائية . ولن أقول بأن السيد الوزير كان عليه أن يتصرف على نحو ما تصرفت الوزيرة السويدية، لأننا لا نملك ترف امتلاك وزراء على هذا النحو، وليس لدينا وزراء يستقيلون، وإنما فقط أن يراعى مشاعر الشعب فى تصريحاته، حتى يُفصل فى أمره، وأن يقر بأنه قد ارتكب خطأً عظيماً بتصرفه على نحو مستثير ومستفز لمشاعر الجماهير . وأن يدرك أن المسافة بين سلوكه داخل الوزارة، وسلوكه بعيداً عن الوزارة ضيقة للغاية فى مجتمعاتنا الشرقية عامة، وفى مصر ـ بظروفها الراهنة ـ على وجه الخصوص . فإن لم يدرك ذلك، فليست الوزارة بحاجة إليه . فلا يكفى أن يكون قوياً فقط، وإنما يلزمه أن يكون أميناً . ذلك هو الموروث الثقافى المصرى الذى يجب أن يعمل فى إطاره .






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة