محمد أبو هرجة يكتب: فى محطة مصر

الثلاثاء، 16 أغسطس 2016 01:00 م
محمد أبو هرجة يكتب: فى محطة مصر محطة مصر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى هذا المكان محطة مصر وكما يقال على القاهرة من كل القادمين إليها قبلى وبحرى أنها مصر فهى أشهر محطة قطار فتجد الزحام غير عادى والساعة تقترب من التاسعة صباحا موعد وصول عشرات القطارات من بحرى وقبلى آلاف البشرو الكل يهرول فى كال الاتجاهات وكعادتى عندما أصل للمحطة قبل ركوب المترو للاتجاه إلى الشركة لبدء يوم مرهق فغالبا لا أنام هذه الليلة فعندما تقرر السفَّر تجد كل ما يمكن ان يزعجك ولا تستطيع النوم. وينتشر فى هذا المكان ماسحى الأحذية رغم أن المهنة أصابها الانقراض وفى هذا المكان بالقرب من باب المحطة يجلس عم شعبان بهيئته الفقيرة ملابس مكرمشة وشعر أبيض وملامح الوجه مصرية أصيلة لم يتجاوز الخمسين من عمره والابتسامة لا تغيب عن وجهه الذى فعل به الزمن فعلته فأصابته بالتجاعيد وكما لو كان فى السبعين من عمره. 
 
انا لا أذهب لأى شخص آخر حتى لو عم شعبان مشغولا فأقف فى إنتظاره أقرأ الجورنان الذى كنت قد إشتريته قبل ركوب القطار من بلدتى حتى أصل لدورى ودار حوارا صغيرا بينى وبينه ويبدو هذه المرة عم شعبان مضطربا قليلا على غيرعادته ويوجد ما يشغله. نظراته تائهة حاولت التحدث معه لم يرد وعندما تكلم قال لى بصوت منخفض: لقد حدث معى موقف من نصف ساعه وأريدك فى موضوع. 
قمت بالرد عليه قائلا: ممكن وانا راجع لأن ورايا اجتماع يا حاج شعبان.
 
شعبان: اتفقنا بس تركب القطر اللى هيطلع الساعة تسعة بالليل عشان نعرف نتكلم بس ضرورى يا استاذ حامد ضرورى.
حامد: تمام اتفقنا يا حاج شعبان. 
 
وتركت عم شعبان ودارت فى ذهنى خواطر كثيرة وتكهنات ودار بينى وبين نفسى حوارا ياترى عم شعبان عايز إيه وإيه الموضوع ده يا ترى عايز يستلف منى فلوس وأرد على نفسى لا لا لا أظن. طب عايز منى واسطة لحد من عياله. لالا برضه انا حكيتله كتير انى موش بعرف اتوسط لحد عموما يا خبر دلوقت بفلوس لما نقابل عم شعبان هيبقى ببلاش وإندمجت فى عمل اليوم بالشركة إجتماعات ومناقشات وقرارات بعضها سليم والآخر تم تأجيله للاجتماع القادم وكنت أقوم بكل شيء بسرعه حتى ألحق بموعد عم شعبان فأنا للأسف لم أحصل على رقم هاتفه المحمول حتى أتواصل معه ولكن الحمد لله وصلت فى الموعد المحدد تماما
رأيت عم شعبان يقف من بعيد وعيناه تذهبان يمينا ويسارا حتى وصلت اليه أمسك ذراعى بعنف حتى أنى شعرت بانقباض وقلق قائلا ايه يا عم شعبان مالك بس ؟
 
شعبان: تعالى هنقعد على الكافيتريا إللى برة المحطة موش عايز حد يشوفنا.
 
جلست معه وطلبنا اتنين شاى وهدأ عم شعبان قليلا حتى تكلم.
شعبان: شوف يا استاذ حامد انا كنت بمسح الحذاء بتاع واحد افندى شكله كدة موش مضبوط رغم أنه لابس شيك اوى ومن كلامه فى الموبايل كان بيتفق مع واحد تانى هيلفقوا قضية كدة لواحدة وكان بيتكلم بالاشارات بس على مين انا فهمت كل حاجة رغم الزحمة والدوشة بتاع المحطة وهو بيحط الموبايل بتاعه فى جيب الشنطة ما اخدش باله الموبايل وقع منه على الكرتونة معملش صوت وانا شوفته عملت نفسى موش واخد بالى ولما مشى فتحته مكنش معمول له كلمة سر وأخذت آخر رقم طلبه وشوية ارقام وبسرعه كتبتها فى الورقة دى وكمان عرفت رقمه ولما رجع أخذ الموبايل وشكرنى ومشى وانا بصراحة حاسس انه هيعمل جريمة قلت اقولك القصة دى عشان أنت اللى تتصرف فى الموضوع وانا غلبان والست دى شكلها هتروح فى داهية حاول تعمل أى حاجة.
 
حامد: شوف يا عم شعبان الدنيا دى مليانة بلاوى وجايز كل ده يكون وهم وأنت فهمت المكالمة غلط وانا هروح للشرطة اقولهم ايه ان ده رقم تليفون واحد منعرفوش ممكن يعمل حاجة فى واحدة منعرفهاش هيضحكوا علينا وجايز يبعتونا مستششفى المجانين وكانت ابتسامتى تشبه حجارة كبيرة القيت فى وجه عم شعبان فأصابه غضب شديد. 
 
 فجأة عم شعبان ينهض وينظر إلى نظرات مليئة بالحزن ولا يلقى حتى السلام ويتركنى ويذهب لقد ألقى كرة من النار فى صدرى وتركنى وحيدا مع هذه الورقة فيها رقمان رقم صاحب الهاتف ورقم من كان يطلبه ومش عارف إزاى عرف رقم الراجل وإسمه كمان( وليد ) ده انت طلعت مصيبة يا شعبان.
حطيت الورقة فى المحفظة والموضوع سيطر على تفكيرى حتى وصلت المنزل ولم يتركنى وانا نائم فوجدت أحلاما تطاردنى وقمت من النوم وقررت مشاهدة التلفزيون فوجدت برنامج عن مشاكل الناس وسيدة تحكى قصة تشبه لحد كبير ماحكاه عم شعبان قلت فى نفسى يعنى خلاص عم شعبان هيوصل للتليفزيون وابتسمت ابتسامة بلهاء ولكن تذكرت عم شعبان قال ان الراجل اسمه وليد والست عمَّاله تقول فيه واحد اسمه وليد بيهددها وعايز يلفق لها قضية هتتسجن بيها. هنا قررت عمل تصرف ايجابى وتذكرت الورقة ما زالت فى المحفظة فقمت بالاتصال بصاحب الهاتف للتأكد من حكاية التلفيق دى عشان لما ابلَّغ الشرطة أكون على حق وطلبت الرقم الموجود على الورقة 
 حامد: ألو وليد بيه
وليد: أيوة مين معايا 
حامد: كل حاجة تمام اطمن وبلغ الباشا بكدة 
ورد وليد وكأنه على انتظار لشىء ما: أنت مستعجل اوى طب كويس وحلاوتك عندى. 
 
هنا تسارعت ضربات قلبى وكنت قد سجلت المكالمة حتى يكون دليل ضد وليد وقررت الذهاب للشرطة وإعطائهم تسجيل المكالمة والارقام والشهود أنا وعم شعبان الذى تم إحضاره وتم عمل محضَّر وقام احد رجال المباحث بعمل التحريات عن الاتصالات التى قام بها وليد والرقم الآخر وبالفعل كانت هناك جريمة ستحدث لإنسانة بريئة وقبل ان تقع تم القبض على وليد والمجرم الآخر وكانت قضية معقدة لن أخوض فى تفاصيلها ولكن قلت فى نفسى ممكن ربنا يسخرلك واحد من بعيد تماما عمرك ما تعرفه ولا يخطر على بالك انسان بسيط ضعيف كأنه ملَك يدافع عنك وينقذك من مصيبة كبيرة كانت ممكن توديك فى داهية وتدمر مستقبلك لكن فعلا الله لطيف بعباده. ربنا قادر ينجيك من أكبر المصايب وبأضعف عباده زى عم شعبان ومازالت قصة عم شعبان ذلك الجندى المجهول والذى بسببه تم القبض على اتنين من أكبر المجرمين فى تلفيق المصايب للناس قصة لا أنساها أبدا.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة