علا الشافعى تكتب: «اشتباك» جدل لا ينقطع.. صناعة فيلم إنسانى لتحريك المياه الراكدة جيد لكن الإذعان لوضع جملة إدانة لطرف من أطراف القصة خذلان.. وأحمد جبر وخالد داغر برعا فى توظيف الصورة والموسيقى

الأحد، 14 أغسطس 2016 11:00 ص
علا الشافعى تكتب: «اشتباك» جدل لا ينقطع.. صناعة فيلم إنسانى لتحريك المياه الراكدة جيد لكن الإذعان لوضع جملة إدانة لطرف من أطراف القصة خذلان.. وأحمد جبر وخالد داغر برعا فى توظيف الصورة والموسيقى علا الشافعى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أفضل دائمًا ألا أشاهد الأفلام التى تثير حولها ضجة وقت عرضها مباشرة، وذلك لأبعد نفسى عن أى تأثير انفعالى للفيلم والأجواء التى تحيط به، فإنه كثيرًا ما تصيبنا عدوى الحماسة الجماعية أو الفتور المتعمد من قبل من يقررون ذلك، وفى مصر لم يثر فيلم مؤخرًا ضجة مثل التى آثارها فيلم اشتباك للمخرج  محمد دياب، وهى الضجة التى تتواصل فصولها منذ عُرض الفيلم فى مسابقة «نظرة ما» بمهرجان كان السينمائى الدولى فى دورته الماضية، إذ انقسمت الآراء ما بين مؤيد ومدافع باستماتة عن الفيلم، أو مهاجم للفيلم وصناعه نتيجة ظهورهم المكثف على الـ«سوشيال ميديا» وترويجهم لنظرية «هيستريا التخوين الجماعية التى تسيطر على المجتمع بكل فئاته وطوائفه».

 

 
 
 
وبعد مرور أسبوعين على عرض الفيلم، ذهبت لمشاهدته فى إحدى دور العرض بحى المعادى، وكان الإقبال متوسطًا فى قاعة العرض، ولفت نظرى وجود فئات عمرية متباينة تحضر الفيلم.
 

 الخذلان

 
بدأ الفيلم بجملة تصدرت الشاشة قبل التترات تقول إنه «بعد ثورة 30 يونيو قام الإخوان باشتباكات دامية لإيقاف الانتقال السلمى للسلطة»، وهى الجملة التى تنازل صناع الفيلم وكتبوها ببنط يحتاج تدقيق لقراءته، حتى يتم إجازة الفيلم وعرضه بعد اعتراضات أمنية، ولجأوا للموائمة إنقاذًا للفيلم ولأنفسهم، مفضلين عدم الاشتباك أو الدخول فى معركة مع الرقابة، أو لنكن أكثر دقة مع «الأجهزة الأمنية».
 
الفيلم الذى تجاوزت إيراداته 3 ملايين جنيه، وهو رقم جيد جدًا للفيلم خصوصًا أنه يعرض وسط أفلام تجارية، تبدأ مشاهده الأولى سريعة وقوية، تدخل المشاهد فورًا فى حالة و«مود» الفيلم.. صحافى وزميله المصور يتم القبض عليهما وإلقائهما داخل سيارة ترحيلات، الصحافى «آدم» يجسده هانى عادل، تنتزع كاميرات زميله، يدفع بهما  بعنف  داخل العربة ويردد "آدم" على الضابط أنه صحافى من أصل أمريكى، ويطلب من الضابط أن يتصل بسفارته، فى محاولة لإنقاذ نفسه وإنقاذ المصور زميله، ولكن فى ظل الفوضى فى الشارع، والتى تتضح جديتها وعنفها من خلال وجوه الضباط المرتبكين والعساكر الغلابة، يذهب صراخه دون جدوى.
 
 

فيلم اشتباك

مشهد من الفيلم
 
 
يحاول «آدم» إنقاذ زميله المصور والذي يعانى من «فوبيا الأماكن المغلقة والضيقة»، وشيئًا فشيئا تكتظ العربة بوافدين جدد، فقوات الأمن تلقى القبض على كل من يصادفها دون التفريق ما بين «الإخوانى» و«السلفى» و«مشجع كرة القدم» ولاعب الـ«دى جى» أو «المواطن اللى كان معدى من جنب المظاهرة» ومنهم « «نجوى»، الممرضة، التى تؤدى دورها نيللى كريم زوجة الرجل الطيب «حسام» قليل الحيلة، المستسلم  لكل ما يدور حوله، ويجسده بحرفية وإحساس عاليين الفنان طارق عبد العزيز، وولده الفتى «فارس»  يجسده الموهوب أحمد داش.
 
الرجل والابن قبض عليهما، وكل ذنبهما أنهما كانا يشاهدان المظاهرة، وألقيا فى عربة الترحيلات، «نجوى» تحاول بكل قوتها إقناع الضابط بإخلاء سبيلهما، خاصة ابنها.. تتهور.. يرتفع صوتها.. تكاد تشتبك مع عساكر الأمن، فتصعد هى الأخرى عربة الترحيلات.. تحتضن وحيدها وتنظر لزوجها فى غضب مكتوم، فهناك عنف مدفون يغلف علاقتيهما معا.
 

حسني شتا وأحمد مالك

جميع التوجهات والأعمار، والمستويات الاجتماعية فى عربة الترحيلات، مجتمع كامل تتشكل ملامحه على الوجوه التى تضمها العربة، فأحداث الفيلم لا تترك لك مجالًا لالتقاط الأنفاس ورغم كثرة الشخصيات فإن لكل منها ملامحها النفسية والاجتماعية، وتمثل مجموعة ما، وقد عمد السيناريو إلى بعض الأحداث الفرعية للتخفيف من حدة الصراع، إلا أن ذلك لم يمنع الكل عن تخوين بعضهم البعض، وطرح السؤال الأزلى الذى يتردد بينهم «أنت مع مين» أو بمعنى أدق: «أنت معانا ولا مع الناس التانيين»، فريق الإخوان «الإرهابين» والذين يريدونها «إسلامية.. إسلامية» أم فريق «تسلم الأيادى» - أغنية للجيش - الكل متحفز ويحاول ولو بقدر ما إرهاب الآخر حتى يخشاه ويخاف منه _( نموذج السائس الذى يدعى أنه بلطجى ويضع شفرة الحلاقة فى فمه فى محاولة لتضخيم نفسه وقوته حتى لا يستطيع أحد الاقتراب منه) يجسده _ الممثل الموهوب خالد كمال.

 

فى هذه المشاهد يبرع مدير التصوير أحمد جبر، الكاميرا تلاخذ وضعية التلصص والمكتشف للوجوه والحالة، ومعه مهندس الصوت أحمد عدنان، فإحجام اللقطات وحركة الكاميرا الضيقة المتداخلة لوجوه من فى السيارة، مع تداخل أصوات فوضى الشارع وصراخ وهتاف المتظاهرين، تتداخل الموسيقى التى وضعها خالد داغر بشكل مقتصد ومعبر، وتتصاعد الأحداث مع زيادة الخلافات والتناحر داخل العربة.

 


مشهد من الفيلم
 
 

اشتباكات حول الاشتباك

ورغم أن الفيلم لم يخل من التنميط لبعض الشخصيات والتى يصل بعضها إلى «كلشيهات» باتت محفوظة، إلا أنه وبمجرد أن أضيئت قاعة العرض للاستراحة سرعان ما خرجت من لهاث أحداث الفيلم إلى مناقشة حامية بين صديقتين أو شقيقتين- لا أعرف- حول الفيلم، واحدة تصرخ بهستريا متهمة الفيلم بأفظع التهم وتراه فيلمًا يسىء إلى مصر مشددة على أننا «مش كدا ودا ما كانش حالنا وقت الثورة والمصريين مش بالبشاعة دى» لترد الأخرى «هو دا مجتمعك والناس بقت كدا للأسف»، واشتدت المناقشة لدرجة أن الرافضة للفيلم أكدت أنها ترغب فى الانصراف إلى منزلها لأنها لا تريد استكمال «هذا البتاع المسمى فيلم» وردت الأخرى عليها «القاعة بتتفرج علينا تعالى نشم هوا» لكنها عادت من جديد.

 


اشتباك

 
 
«اشتباك» هو بالتأكيد تجربة فنية جيدة الصنع وفيلم يحتوى نماذج إنسانية ولمحات تجعلك تتعاطف مع فكرة قبول الإنسان أى كان توجهه السياسى أو انتمائه العقائدى _( مشهد الإخوانى السمين وهو  يروى قصة حبه للتمثيل، وذهابه إلى مكتب المخرج شريف عرفة وغنى أغنية دينية، ليضحك الموجودين فى السيارة، إلا أنه يقنعهم بأنه موهوب وصوته حلو ولكن الغاز أثر عليه فيغنى لإليسا «أجمل إحساس فى الكون» وينفجر كل من فى عربة الترحيلات من الضحك)_ جميعنا بنى آدمين نعيش فى هذا المجتمع الذى بات يعانى من عنف مكتوم وانقسامات أكثر حدة، ورغم تميز العناصر الفنية بالعمل من تصوير ومونتاج ومكساج وملابس وموسيقى، إلا أن «اشتباك» فى ظنى خذلته الكتابة الهندسية _السيناريو لخالد دياب وشاركه أيضا محمد دياب الكتابة)- فهناك إحساس ما لدى صناع الفيلم بضرورة إرضاء جميع الأطراف _ومحاولة إظهار الحياد.
 
أن تصنع فيلما إنسانيا يحاول أن يحرك المياه الراكدة هو شىء جيد بالتأكيد، ولكن أن تحاول إقناعنا بأنك تقدم فنا تحريضيا رغم أنك لم تخض معركة حقيقية وفضلت الإذعان والاستسلام وترضى بوضع جملة تدين فيها طرفا من أطراف فيلمك بشكل واضح وهو ما يتناقض تماما مع رسالة الفيلم هذا هو الخذلان بعينه، والقهر الذى يمارس على الإبداع والمبدعين.
 

فيلم اشتباك

العمل من إخراج محمد دياب مخرج العمل ، وبطولة نيللى كريم، وهانى عادل، وأحمد داش، وخالد كامل، وعمرو القاضى، وطارق عبد العزيز، وحسنى شتا، وأشرف حمدى، وعلى الطيب، ومى الغيطى، ومحمد علاء، وأحمد السباعى، ومن فريق العمل خلف الكاميرا مدير التصوير أحمد جبر، مهندس الصوت أحمد عدنان، ومهندس الديكور هند حيدر، والمؤلف الموسيقى خالد داغر، والمونتير أحمد حافظ، ومصمم الملابس ريم العدل، ومسؤول اختيار الممثلين مروة جبريل، وميكساج فريد أتيل، والمنتجان الفنيان سارة جوهر وأحمد فرغلى، والمشرف على الإنتاج إيهاب أيوب، اضافة إلى المنتجين معز مسعود، محمد حفظى وإيريك لاجيس.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة