أسامة عبد الحميد يكتب: صورة للحياة

الجمعة، 12 أغسطس 2016 02:50 م
أسامة عبد الحميد يكتب: صورة للحياة لوحة فنية - أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عمر الأشياء أطول من عمر الإنسان، فوحده الإنسان ينطفئ سريعاً ويرحل، فإطار لوحة الكنفا التى طرزتها أمى بيدها تنام على جدار غرفتى.. وتنام أمى تحت التراب.
 
الفن هو صورة للحياة من خلاله يمكننا القول والتعبير بحرية مطلقة، فالتعبير هو مدخل إلى حياة أخرى تكمن فيها التعاليم والأمور التى يمكن من خلالها البوح والاعتراف بما هو ممكن وغير قاصر.
 
فالرسام يجد فى لوحته سبيلاً للتعبير الواسع عن مكنونات ما فى ذاته، واللوحة التى يرسمها تشكل له حالة لا يمكن وصفها بكلمات عابرة، ويكون فيها تعبير عن جزء مهم من حياته وكيانه وجسده، وحين ينتهى من رسمها تكتمل عناصر ولادتها وتصير مالكاً للجميع، فأن تكون اللوحة وألوانها هى المحرض على مواصلة العمل والإبداع، أفضل من أن تبقى وحيدة فى منأى عن الآخر، فهناك من سيقتنيها ويعلقها على جدار أيامه، وستكون غائبة عن نظر صانعها، لكنها حاضرة وجاثمة فى ذاكرته، فثمة أشياء وهياكل وأماكن ينحاز الفنان لرسمها أكثر من سواها، ويكون هذا الأمر عائد إلى الخصوصية التى انطلق منها فى حياته، وفى طريقة عيشه وإقامته، فالإنسان بعاداته وطقوسه على اختلاف تنوعها وأشكالها، تبقى العادات التى يتحرك من خلالها هى الأساس الذى يمكن من خلاله ربط الحياة جيداً واستخراج منها الصور المليئة بكل أنواع المعنى والزمن، فقدرتها وتأثيرها فى بلورة مفهوم الحياة أكثر بكثير، فتكون ألوان اللوحة متجانسة كلياُ مع الذات التى تبنى المشهد الداخلى للحياة والإنسان. 
 
الفن يبقى علامة أساسية من علامات تقدم الأمم وتطورها، وإذا كان علينا كمتلقين احترام الفن والفنانين، فإن هناك مجموعة عليها مراعاة المجتمع الذى ينتمون إليه، وإدراك مستوى الوعى الثقافى لدى العامة من الذين يسهل انقيادهم وراء الغرائز والعصبيات، وكما قال أندريه موروا "الحرية والمسئولية متلازمتان كالتوأمين".
 
لقد عرفت العصور الإسلامية المزدهرة نشاطاً فنياً فى مختلف الميادين والاتجاهات، فلو استعدنا نماذج من الشعر والفكر والفلسفة والعمارة، سنكتشف أن مساحة الحرية والتسامح فى الإسلام، أوسع بكثير مما يتخيل بعض من يريدون تكليف أنفسهم بمهام لم ينتدبهم أحد للقيام بها.
 
لم يصل مستوى فهم الأعمال الفنية فى أوروبا إلى ما وصل إليه بين عشية وضُحاها، بل هو نتيجة تراكم معرفى على مدى عقود طويلة من الزمن، لذا ينبغى علينا جميعاً العمل لردم الهوة بين مجتمعنا والنتاج الإبداعى الحقيقى الذى يخاطب العقل والروح والوجدان.
 
الحرية التى يناشدها كل إنسان وأقرتها كل الشرائع والعقائد وفى مقدمتها الإسلام، حرية مداها واسع وسع الكون، والفن الحقيقى هو استلهام لعمل المبدع.
 






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة