أكرم القصاص - علا الشافعي

د. محمد على يوسف

نعبده لنرضى أم ليرضى؟

الثلاثاء، 05 يوليو 2016 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الاختبار قد يكون هنا لصدق العبد وحقيقة أهدافه من التعبد
هذا السؤال ينبغى أن يسأله كل مسلم لنفسه ويحاول إجابته بصدق، خصوصا حينما يستشعر مللا أو فتورا فى العبادة أو حين لا يجد فتحا على قلبه، ويستبطئ الخشوع والتفاعل مع العبادات المختلفة، خصوصا فى مواسم الخير كاليالى العشر الأخيرة من رمضان. يتعاظم الإحساس بالنقص لدى كثير ممن ذكرت حين يجدون إلى جوارهم من يكادون يذوبون تأثرا وخشية ويسمون فى معالى الخشوع والتلذذ بالعبادة.

الحقيقة أن هذا التأخر فى المشاعر الإيمانية والأحاسيس التعبدية قد يكون اختبارا يحتاج من تعرض له، لأن يفهمه ويدرك أبعاده فليس شرطا أبدا أن تكون هذه علامة قسوة قلب ودليل على احتجاب القبول أو انعدام رضا المولى، جل وعلا، لكن الاختبار قد يكون ها هنا لصدق العبد وحقيقة أهدافه من التعبد وليجيب الإنسان سؤالا حرجا عن أولويات نياته وترتيب مقاصده، هل أعبده لأرضى أم ليرضى؟ هل أتهجد فقط لأتلذذ وأستمتع، أم أقنت من الليل ساجدا وقائما حذرا من عذاب الآخرة ورجاء رحمة ربى.

إن التلذذ والاستمتاع بالعبادة والبكاء من خشية الله ومشاعر السمو وأحاسيس العلو فى سماوات التذلل والتقلب فى درجات الخشوع والإخبات والإنابة، هى بلا شك من فتوحات العبودية وبركات القنوت وفيوضات الركوع والسجود، لكن النية الأعظم والمقصد الأسمى للعبادة والعمل الصالح هو ببساطة، إرضاؤه، إرضاء الله عز وجل.. أن يرضى الله وأن يغفر ويرحم، فهذا هو الفوز، سواء جاء الاستمتاع وحضرت اللذة أو تأخرت، المهم أن تبقى على الباب وألا تكل أو تمل إذا استبطأت حضور تلك المشاعر، وهذا والله هو معيار الصدق الحقيقى.

لو نظرت فيما رُوى من حال أويس القرنى، رحمه الله، لوجدت أنموذجا بديعا على تفضيل رضا الله على ميل النفس، وأويس هذا تابعى ورد فى شأنه حديث رواه الإمام مسلم فى صحيحه يقول فيه النبى: «إن خيرَ التابعين رجل يقال له أويس، وله والدةٌ، وكان به بياضٌ، فمروه فليستغفرْ لكم». وقصة الرجل باختصار كما رواها الإمام ابن حجر فى كتابه الإصابة، أن أويس هذا أسلم وعاصر النبى صلى الله عليه وسلم، وكان يستطيع اللحاق بالحبيب والتنعم بصحبته، ولا شك أن هذا أمتع للمحب من المكث بجوار أمه، لكن المعيار لديه كان رضا الله، والتقديم كان لمراد مولاه، والتفضيل كان للأحب لسيده والأجلب لرضاه، وقد كان هاهنا بره بأمه، فاختار ذلك ومكث بجوارها حتى تُوفى النبى قبل أن يلحق به أويس، ثم تُوفى خليفته الصديق ولم يلحق بالمدينة إلا حين توفيت أمه فى خلافة عمر بن الخطاب فهل ضره هذا؟ أبدا، لقد زكاه الحبيب وسماه خير التابعين، وإن لم ينل شرف الصحبة فإن النبى صلى الله عليه و سلم قد أمر من نال ذلك الشرف، أى الصحابة رضوان الله عليهم أن يسألوا هذا الذى لم ينلها أن يستغفر لهم وقد فعل عمر بن الخطاب ذلك، فما إن لقى أويس حتى طلب منه أن يستغفر له عملا بوصية النبى صلى الله عليه وسلم.

تخيل تابعى يستغفر لصحابى! أنعم به من فضل ناله ذلك المسترضى، فضل ناله بحرصه على الأرضى لله سبحانه وتعالى حتى لو لم يكن الأرضى لنفسه عاجلا، هذا ما ينبغى أن يكون نصب أعيننا حال عبادتنا لله سواء وجدنا أثر العبادة عاجلا أم آجلا، فإن المقصد الأسمى والمطلب الأعظم أن نرضيه، والبشرى أننا، حينئذ، عاجلا وآجلا، سنرضى، فلنعبد الله بإصرار ولنعجل إليه ليرضى، ولندم على الباب مسترضين ولا نتململ حتى يُفتح لنا، ولنثق أنه الفتاح جل وعلا، وأننا إن صدقنا فإن شاء الله سيفتح وسيرضى.. وسيرضينا.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة