كنت أعلم أن الحب عندما تتجهم فيه الشمس وتتبلل فيه الرموش من ملوحة قاسية وطُرفات متتالية كنت أعلم أنه قاسى ذلك الحب فابتعدت عنه
كنت أعلم أن انتظار إشارة من الحبيبة كمن ينتظر ورقة من الشوق تحملها راحة الريح كسقوط ورقة صفراء فى خريف الاقتحام لمنحنى رسالتى الفارغة فابتعدت عنه
كنت أعلم عندما ألوك خشخاش الحنين ولا أمضغة فى زوايا مائدتى كى لا ينتشر هجوم ذاك الحنين فى أنحاء دمائى فابتعدت عنه
كنت أعلم أن الحب طاووس جميل الألوان به ألف ريشة مزهوة بصنوف شتى من قوس قزح تقترب منه إعجابا بجماله ولا تستطيع أن تحتضنه فى شوق فابتعدت عنه
كنت أعلم أن الحب يجعل أمسى مترهلا وثقيل الخطى لأن أرجلى بها ألف طن من أوزان اللهفة وان يومى ليس متسع لعاطفة أخرى تستكين فى عراء الأفق والسكينة وأن غدى سيكون مدينة ليس لها باب ولا نافذة فابتعدت عنه
كنت أعلم أن الحب يمحو ملامحى عندما تقذفنى أمواج البحر على شاطئ ليس به أصداف أوشوشها فى انتظارى للمغيب أو الشروق وتزيد فقط ملوحة بشرتى فابتعدت عنه
كنت أعلم أن الحب يمتلك عرائش القلب ويمتلك عرائس الصمت ونلوذ منه فارين خوفاً من الوقوع فى هوة سحيقة اسمها الانتظار فابتعدت عنه
كنت أعلم أن الحب يحتكر بنفسه الحل الوحيد فى معادلة التصحيح والبعد عن التجريح وبراهين اللهفة ومعطيات العذوبة فابتعدت عنه
كنت أعلم أن الحب واجب فطرى مطلوب منى أن أمارسه فى شبابى وحياتى منعاً أن اندم فى يوماً إن داهمتنى شيخوختى ولم اسلك دروب الحب فابتعدت عنه
كنت أعلم أن الحب فيه القلب يميل على وزن ابتسامتها وان الشوق يتطاير من وهج عينيها وان السماء تزداد صفاء من زرقة شفاهها حين يلفحها البرد فابتعدت عنه
كنت أعلم أن الحب هو صناعة الشجن فى محركات النفوس بآلات نغذيها بطواحين الهوى والاستهواء فينتج عنه احتفال تاريخى للتقرب فابتعدت عنه
كنت أعلم أن الحب حينما يصل حد التضخم لا يستطيع القلب احتماله فيسرى فى الشرايين حتى التسرطن والإقامة الجبرية فى العروق المحملة بأكسجين الدموع فابتعدت عنه
كنت أعلم أن الحب يستولى على خزائن العقل فاتحا كل الأرقام السرية فى دروب المعرفة ومتتبعاً كل وجدانيات الأنا فى الحياة لتتسع مملكته الكبيرة التى يعيش فيها ملايين البشر ويستولى على حكم القلوب ويُجرى انتخابات ليست حرة ولا نزيهة يفوز بها فقط المخادعون فابتعدت عنه
كنت أعلم أن الحب عندما ينمو تتوجع به الصدور وتئن الضلوع وترتعش الحنايا غير قابلا لمعضلة الجدل متمكناً من السيطرة والشرنقة فابتعدت عنه
وفية يتقلب قلبى على جمر نار وانتظار لم يمسسه نار فما أنعم من لا يبالى فى مدينة الحب وما اشقى من يستلقى على فراش القلق ويعلم هذا القلب أن الغرام فى كونه استحالة حين تكون اليد مشلولة من لمس الوجه الذى يعتليه الطمأنينة فى بلد أصبح كل حكايا الحب فيه مشبوهه فابتعدت عنه
لم يهنأ العاشقون فى يوم حينما يمدون يد الوجع ويشيرون للقلب أن فيه ألم وينتظرون قطار محمل بالهدايا وينثرون الماء المعطر على ارض تطأها أقدام الحبيبة وينهلون من بحر الأشواق اناءات كثيرة كى يصنعون بحيرات غير زلقة لتمشى على مائها الحبيبة ولا تغرق فى أمواج الرضا ويحاولون استنطاق الروح بشغف الضحكة فابتعدت عنه
يبحث العاشقون فيها العفة فيجدونها متمثلة فى دلال ويبحثون عن أنامل رشيقة تُمسك أوراقها بأناقة تكاد تنجرح الأصابع من مرور حد الورق على البشرة الناعمة فتصيب بحث الرجال فى مقتل عندما يبحثون عن أنثى نصفها جمال والنصف الأخر نعومه فابتعدت عنه
نعم ابتعدت عن الحب.بحثا عن امرأة من زمن الشمس ومن ضى القمر من لحن الوفاء تهزهز قوارب نجاتى الرابضة على الشاطئ بحثت عن امرأة يكون تاريخها اكبر من الزمن الذى نعيش فيه وصفحات عقلها أدق من كل الكلمات المسجلة على ورق لبردى والدقيقة فى وجودها أعوام فى تواجد الآخرين.
ولهذا قررت أن ابتعد عن الحب الهلامى المخادع الذى ترى من ورائه كل القلوب مصنوعة من فولاذ قاسى ابتعدت عن الحب اعتكافاً فى البحث عنها ابتعاداً عن عولمة الشجن وتغليف الشوق بعلبة من صفيح باهت عليها دعاية جاذبة.
شخص حزين - أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة