التعليم هو أساس بناء الأمم وتعلمها، ولو ارتبط العلم بالمتعة، جذب المتعلم له جذبا، ومن خلال تجربتى فى المجال المعنى بالعلم والتعلم كانت لى هذه التجربة، حيث لم يكن حبى للتعليم والتدريس هو الدافع الوحيد الذى أثار فضولى وظمئى للتعرف على مصادر التقدم الحضارى الهائل فى تلك المجتمعات المتقدمة على الرغم من أن الحياة فيها تتسم بالمادية . بحثت عن منابع الإبداع الذى حقق لهذه الأمم التقدم والريادة. وبعد دراسة وتفكير عميق وجدت ضالتى وجدت أن أحد أهم منابع الإبداع يكمن فى الطريقة التى يعلمون بها أبناءهم، فالتعليم فى تلك البلاد يعتمد على الإثارة العقلية والتشويق فهو مزيجا من الاكتشاف والاستكشاف والبحث والاستنتاج ، ومزج المعرفة النظرية بالأسلوب التجريبى المعملى وبذلك تتحول العملية التعليمية إلى تجربة شخصية لا تنسى ويصبح التعليم متعة. ولكى تتحقق متعة التعليم أنشئت المراكز الاستكشافية للعلوم لدعم العملية التعليمية بالمدارس، فالمراكز الاستكشافية هى الرابط الحقيقى بين التعليم والمتعة.
ولم تكن مصر بعيدة عن هذا المنبع الإبداعى، فقد افتتح المركز الاستكشافى للعلوم فى 9 يوليو 1989م كأول مركز علمى تفاعلى فى مصروالعالم العربى واعتبر منذ ذلك الحين محمية المبدعين وحاضنة الموهوبين والمبتكرين والمخترعين بل وأصبح المركز البذرة الطيبة التى أنبتت ثم أورقت شجرة وارفة الظلال تمد ظلالها فى طول البلاد وعرضها، وسرعان ما توالت المراكز حتى أصبح عددها 33 مركزا فى فترة أقل من عشر سنوات بل وتوسعت الدولة فى انشاء المدن الاستكشافية لتجسيد المناهج التعليمية فى صورة ملموسة يسهل للطالب ادراكها والتفاعل معها ولمسها والحصول بنفسه على المعلومة وتحفيزه على الاستزادة المعرفية من خلال البحث العلمى ، ومن ثم أصبحت تلك المراكز مصدرا معرفيا ضخما يغطى المناهج الدراسية كافة بجميع صفوف التعليم.
ورغم هذا الدور الذى تقدمه تلك المراكز والمدن الاستكشافية الا أننا مازلنا نفتقر إلى الإبداع ونفتقد متعة التعليم فى مدارسنا . ولعل السبب يكمن فى أننا لم نعظم دورها في العملية التعليمية بالمدارس ، وبالتالى لم يتثنى الاستفادة من الطاقات البشرية والفنية والتكنولوجية الهائلة الموجودة بها ، فهي تملك فريق عمل متكامل من علماء يحملون أعلى الدرجات العلمية ومهندسين وأخصائيين ومعلمين أكفاء وأجهزة حاسب آلى متطورة ومتحف علمى ونوادى للعلوم وأقسام انتاج ثلاثية الأبعاد ورسوم متحركة، بالإضافة إلى وحدات مونتاج ومسرح ثلاثى الأبعاد وقاعة عرض افتراضية لعرض الأفلام العلمية التفاعلية، فهذه المراكز تستطيع أن تحدث طفرة حقيقية فى أسلوب عرض المعلومة وتبسيطها وتحويل المناهج الدراسية الى مناهج الكترونية تفاعلية ممتعه . نحن ننتظر أن نرى المناهج الدراسية محملة على الألواح الرقمية ( التابلت) ميسرة لكل طالب، نتمنى حدوث طفرة فى أسلوب عرض المعلومة بالكتاب المدرسي، نأمل أن نرى المعامل الافتراضية للمناهج العلمية مفعلة فى كل المدارس، نحلم بانتاج الأغانى العلمية، نتمنى وجود ملتقى علمى وثقافى للمبدعين من أبنائنا الطلاب فى الأبحاث العلمية والتصوير والرسم والافلام العلمية والوثائقية. نحن فى النهاية نتمنى أن يستمتع أبناؤنا وهم يتعلمون .
هذه هى رؤيتى المتواضعة للاستفادة العظمى من إمكانيات تلك المراكز المادية والبشرية . هل ما زلنا نعتقد أننا فى الريادة ، لقد فقدنا تلك الريادة فدول الخليج العربى سبقتنا بمراحل كبيرة فى مجال التعليم، خاصة التعليم ما قبل الجامعة، التعليم يحتاج المبدعين لا الموظفين، فهل نعطى لهؤلاء المبدعين قيادة العملية التعليمة فى مصر؟ إجابة هذا السؤال يتوقف عليه مستقبل هذا الوطن .
د. أحمد صالح عيسى يكتب: المراكز الاستكشافية.. متعة التعليم ومستقبل
الأحد، 05 يونيو 2016 02:15 م