يظل السؤال المحورى الذى يشغلنا كثيرًا لماذا تخلف العرب وتقدم غيرهم ؟ وهل يمكننا اللحاق بالركب الحضارى إذا اقتفينا أثر المراحل التى سار فيها الغرب حتى وصل إلى ما وصل إليه ؟ وهل التجربة الغربية هى النموذج الأمثل للتقدم والازدهار الحضارى؟ أم علينا أن نبدأ بداية مختلفة تنطلق من واقعنا المعيش ومن دوافعنا الذاتية ؟ هذه أسئلة جوهرية يتم طرحها بصيغ شتى وأشكال متباينة.
ولو كان الجواب هو ضرورة اقتفاء أثر المراحل التى سار فيها الغرب حتى وصل ما وصل إليه من تقدم وحضارة، فإن ذلك سيحتم علينا ألا نلحق به أبدا فالمسافة شاسعة جدًا وهو يتقدم بأسرع مما يمكننا أن نسير.. فلا فائدة إذن ! أم أنه يجب علينا أن نمارس " القفزة " تلك التى تقربنا أسرع من " السير" فى المراحل المختلفة للنهوض.
فالغرب - كما يقول المفكر المغربى الكبير طه عبد الرحمن - لن ينتظر أبدا المجتمعات الإسلامية حتى تلتحق بركبه فى الإنتاجية العلمية والمسار العلماني، بل سيظل ساعيًا بكل ما أوتى من عدد وعدة إلى أن يُحصِّل من هذه الإنتاجية ما هو أضعاف لما تقدم، فتتزايد الشقة بينه وبين المجتمعات الإسلامية، ذلك لأن هذه المجتمعات ستفقد من الإنتاجية العلمية ما هو أضعاف لما سلف، ما دامت قد أُجبرت على سلوك طرائق تحديثية تتعارض مع توجهاتها المعنويّة الأصيلة وتضر بإمكاناتها الحقيقية فى العطاء والإبداع.
ولذلك فلابد إذا أردنا اللحاق بالركب أن نسلك طريقًا مغايرًا تماما، طريقًا يؤكد على أهمية تنمية الفكر العربى والإسلامى الخالص الذى يعبر عن هويتنا الحقيقية وينطلق من مبادئنا الإسلامية الخالصة ويتوافق معها تمام التوافق، ويعبر عن إشكاليتنا الفكرية الحقيقية، طريقا نرى فيه مشاكلنا الحقيقية قيد البحث الفكرى والفلسفي، لا ذاك الطريق الذى يعالج أطروحات مذهبية نبتت وترعرعت فى بيئات غربية قد لا تكون مجتمعاتنا فى حاجة إليها. وبذلك نتفادى نشأة الاغتراب الفكرى بين المفكرين العرب وحاجات مجتمعاتهم الفكرية والثقافية. وحتى لا نكون أشبه بمريض استحضر أدوية لأمراض لا يعانى منها، ثم راح يبحث عن أعراضها الجانبية !
ولذلك نرى أنه يبدو مجافيا للصواب عملية نقل واقع الحداثة الغربية بحذافيرها لتكون هى نفس تجربتنا كعرب؛ لأننا لابد أن نضع فى الاعتبار خصوصية كل حضارة. وإن كان هذا لا يعنى الدعوة إلى القطيعة والانغلاق الحضارى على الذات كما أنه لا يعنى أبداً الذوبان فى الحضارة الغربية كما لا يعنى تارة ثالثة التلفيق بين الوافد والموروث الذى شاع فى تاريخنا الفكرى المعاصر.. وإنما أن يعيش المفكر واقعه الحقيقى بواقعية شديدة، فالمفكر العربى هو- فى الأساس - ابن حضارة عريقة ذات تاريخ عريق وأصيل ورث كل ما قدمته هذه الحضارة من منجزات حضارية وثقافية ذات سمات محددة.
وهو ثانيًا ابن العصر الذى يعيشه وولد فيه. ومن ثم فهو سينشأ تلقائياً أو ينبغى تنشئته وتربيته على أن يتفاعل داخله هذا وذاك. أى أنه يحمل حضارته التاريخية بين جنباته وفى ثنايا نفسه ومنحنيات عقله، كما إنه لابد وأن يتلقى ثقافة العصر الذى يعيشه بكل ما فيها من إيجابيات وسلبيات فيمتزج الاثنان داخل عقله ونفسه ليكون بصورة تلقائية ابن تاريخه العريق وابن عصره الذى يعيشه فى آن واحد.
وإن تصوير هذا اللقاء الحضارى على أنه لابد أن يأخذ صورة صراع لهو الخطأ بعينه، إن تهويل الأمر وتصويره على أنه صراع بين تراث غابر عفا عليه الزمن، وحضارة معاصرة فتية ذات ثقافة جديدة هو ما ساهم بقوة فى بروز الأزمة الفكرية فى عالمنا المعاصر.
د.غيضان السيد على يكتب: الاقتداء بالغرب.. هل هو سبيل نهضتنا المنشودة؟
الإثنين، 27 يونيو 2016 06:03 م
ورقة وقلم - أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد السيد علي
زيف الاصاله والمعاصره