أكرم القصاص - علا الشافعي

خالد عزب يكتب.. ما بعد الإسلاموية: الأوجه المتغيرة للإسلام السياسى

الأربعاء، 22 يونيو 2016 01:00 ص
خالد عزب يكتب.. ما بعد الإسلاموية: الأوجه المتغيرة للإسلام السياسى غلاف الكتاب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صدرت عن دار جداول بيروت الترجمة العربية لكتاب "ما بعد الإسلاموية: الأوجه المتغيرة للإسلام السياسـى" من إنجاز محمد العربى، ويعد هذا الكتاب الذى حرره وساهم فيه علم اجتماع الشرق الأوسط آصف بيات خطوة مهمة فى تطوير الجدالات السائدة حول مصير الإسلام السياسـى فى المنطقة العربية بعد الاضطرابات العميقة والحروب التـى تشهدها المنطقة منذ العام 2011؛ حيث يتم طرح ما بعد الإسلاموية ذلك المفهوم المركب الذى طرحه بيات فى منتصف التسعينيات باعتبارها مستقبلاً ممكنًا لهذه الحركات، فى الوقت الذى بدت فيه النتائج الكارثية لاحتمالات تزايد الراديكالية التـى تجسدها تنظيمات مثل داعش والقاعدة.

وعلى الرغم من أبحاث الكتاب التـى غطت عشر بلدان إسلامية من المغرب حتـى إندونيسيا على شرح التطور التاريخى للظاهرة الإسلاموية وتحولاتها الممكنة، إلا أنه يضع التحولات الاجتماعية التـى لا تخلو منها المجتمعات الإسلامية على تنوعها واختلافها كمفسر أساسـى لهذه التحولات بحيث يمكن القول إن هذه الحركات بقدر ما ساهمت فى تغيير مجتمعاتها على أنحاء كثيرة، فقد كانت نتاجًا أيضًا لتحولات اجتماعية أعمق وهو ما يؤشر على تركيبية وتعقد عملية التغيير الاجتماعى فى العالمين العربى والإسلامى ويقتضـى ضرورة السعى نحو تطوير أطر مفاهيمية أكثر عمقًا واستيعابية لذلك التعقد والتركب ومن هنا يتم طرح ما بعد الإسلاموية كإطار تحليلى متعدد الأبعاد والتطبيقات.

تعد أبحاث الكتاب الاثنـى عشر دراسات حالة على المفهوم الرئيس للكتاب وهو ما بعد الإسلاموية، وفى البداية يوضح بيات أن ما بعد الإسلاموية مثل فى صياغته الأولى "حالة" و"مشروعًا". فى المثال الأول، أشارت ما بعد الإسلاموية إلى الحالة السياسية والاجتماعية التى أعقبت مرحلة التجريب واستنزفت فيها جاذبية وطاقة ومصادر شرعية الإسلاموية حتى بين من كانوا مؤيديها المتحمسين. وأصبح الإسلاميين واعين بتماثلات واختلافات خطابهم فى الوقت الذى يحاولون فيه أن يؤسسوا أو أن يتخيلوا حكمهم. وأصبح إطارهم السياسى، بفعل التجربة والخطأ المستمرين بالإضافة إلى العوامل الدولية والواقع المحلى، عرضة للتساؤلات والانتقادات. وستنتهى المحاولات البراجماتية لإدامة النظام فى النهاية إلى تأكيد التخلى عن بعض المبادئ المؤسسة للإسلاموية. وأبحت الإسلاموية، نتيجة لظروفها الداخلية والضغوطات المجتمعية، مضطرة إلى إعادة اختراع نفسها، لكنها تقوم بهذا على حساب تحولها الكيفي. يقدم التحول الهائل فى الخطاب الدينى والسياسى فى إيران خلال التسعينيات نموذجًا على هذا الاتجاه.

أما ما بعد الإسلاموية كمشروع فهى محاولة واعية لتأطير مفاهيم ووضع استراتيجية لبناء منطق ونماذج متجاوزة للإسلاموية فى المجالات الاجتماعية والسياسية والفكرية. مع ذلك، ويهذا المعنى، فهى ليست علمانية أو معادية للإسلام أو غير إسلامية؛ فهى بالأحرى تمثل سعيًّا نحو دمج التدين بالحقوق، والإيمان بالحرية، والإسلام بالتحرر. إنها محاولة لقلب المبادئ المؤسسة للإسلاموية رأسًا على عقب من خلال التأكيد على الحقوق بدلاً عن الواجبات، ووضع التعددية محل سلطوية الصوت الواحد، والتاريخية بدلاً عن النصوص الجامدة، والمستقبل بدلاً عن التاريخ. إنها تريد أن تزاوج الإسلام والاختيار الفردى والحرية، على اختلاف درجاتها، من ناحية، والديمقراطية والحداثة من ناحية أخرى، لتحقيق ما أطلق عليه البعض "حداثة بديلة". لقد تم التعبير عن بعد الإسلاموية فى الاعتراف ببعض أسس العلمانية مثل التحرر من التزمت، والقطيعة مع احتكار الحقيقة الدينية. وفى الوقت الذى تتحدد فيه الإسلاموية بربط الدين بالمسؤولية، فإن ما بعد الإسلاموية تؤكد على التدين والحقوق. مع ذلك، فبينما تفضل الدولة المدنية غير الدينية، فإنها تتوافق على دور للدين فى المجال العام.

ويتناول الجزء الأول من الكتاب حالة النقد من داخل الحركات الإسلامية التى ولدت حالة ومشروع ما بعد الإسلاموية بالتركيز على إيران ما بعد الثورة 1979 والتحولات العميقة التـى حلت بالمجتمع الإيرانى والدولة بعد انتهاء الحرب مع العراق ورحيل الخمينى 1989. لقد تجسدت ما بعد الإسلاموية الإيرانية فى حركات واتجاهات اجتماعية تم التعبير عنها فى خطابات دينية مجددة قدمها الشباب والطلبة والنساء والعلماء الدينيون الذين طالبوا بالديمقراطية وحقوق الفرد والتسامح والمساواة بين الجنسين، إلى جانب فصل الدين عن الدولة. ومع ذلك رفضوا إلقاء الحساسيات الدينية بعيدًا. لقد أجبرت نضالات الفاعلون العاديون ومقاومتهم اليومية المفكرين الدينيين والنخبة الروحية والفاعلين السياسيين على البدء فى إحداث نقلة نوعية فى النموذج الفكري. وأدانت مجموعات من الثوريين الإسلاميين أفكارهم السابقة، واعتبروا أن الدولة الدينية خطرًا على كلٍ من الدولة والدين. وبشكلٍ ما، خلقت الدولة الإسلامية خصومًا لها من داخل نظامها ومن خارجه دعوا إلى علمنة الدولة مع الحفاظ على الأخلاق الدينية فى المجتمع.

ويقيم الجزء الثانى من الكتاب مقارنة من خلال دراستين عن الحالة التركية وسياق ظهور وتحولات حزب العدالة والتنمية الذى بدأ الترويج له مع صعوده للحكم من رحم الحركة الإسلامية التركية عام 2002 باعتباره ما بعد إسلاموية نموذجية. ففيما يتعقب إحسان داغى هذه التحولات على نموذج بيات التفسيرى، يرى الناقد اليسارى جيهان توجال أن الحزب أبعد ما يكون عن تجسيد ما بعد الإسلاموية بل هو إعادة إنتاج لخطاب المحافظية التركية الذى يجمع بين تعزيز الشعور القومى التركى مع الحساسيات الدينية للأتراك فهو يجسد فى جوهره "الثورة السالبة" حيث استوعب تحدى الإسلاموية فى الحاكمية النيوليبرالية والتى تتميز بسيادة المحافظية القومية، وعولمة السوق الحرة، والتعددية المقيدة، وحوسلة الدين.

أما دراسة بيات المكثفة عن الحالة المصرية فهى تتجاوز الحديث عن الإسلاميين إلى الشرح المفصل لتحولات الاجتماع والدولة فى مصر فى مرحلة ما قبل يناير 2011 والتـى تجسدت فى ظاهرة مركبة تمثلت فى أسلمة الدولة بدون ثورة إسلامية فى مقابل دولنة الدين أى إمعان الدولة فى ممارسة سياسات دينية نافست بها الإسلاميين على احتكار المجال الدينى بداية من الثمانينات، وهى السياسات التـى لا زالت ماثلة إلى اليوم

ويؤكد بيات إلى أن مثل هذه التحولات عبرت فى بعض الأحيان عن تحولات داخلية فى سياق الاجتماع والحركة ففى تجارب إيران وتركيا والمغرب ومصر ولبنان، كانت الحركات الإسلامية ذاتها هى التى شهدت تحولات (فى الفكر أو الممارسة أو كليهما) بينما تواجه قصور نموذجها وحقائق مجتمعاتها والضغوطات الخارجية. وفى حالاتى باكستان والسعودية، ظهرت جماعات ما بعد إسلاموية، كثير منها لم يكن له ماضٍ إسلاموى، لإصلاح وتحييد ما رأت فيه عواقب وخيمة على المجتمع والدين تمثلها الإسلاموية الجهادية والإقصائية. ولم يكن نقدها إذًا منصبًا على الذات، ولكن على أسرتهم الأيديولوجية فى الغالب؛ أى كان موجهًا للإسلاميين الذين شاركوهم لغة دينية شاملة.

فى المقابل لعب الخارج دورًا فى صياغة تحولات الإسلاميين كما فى الحالة الباكستانية التـى تجسدها دراسة حميراء اقتدار ، فعلى الرغم من صعود حركات إسلامية حديثة من حيث البنية والخطاب إلا أنها تظل ضعيفة فى مواجهة هيمنة التوجهات الراديكالية التى تتعزز قوتها بالموقع الجيوسياسى لباكستان؛ علاقتها بأفغانستان وطالبان و"الحرب على الإرهاب" والتدخلات الأمريكية. وفى الحقيقة، فإن التدخل الأمريكى الإمبريالى هو ما يعيق نمو الإسلام الاستيعابى الذى يحتضن أفكار الحرية والاختيار والتسامح، إذ أنها دائمًا ما يتم تأطيرها ورفضها بسهولة باعتبارها قيمًا مستوردة من الغرب والولايات المتحدة والإمبريالية. ومن هنا تجسد الحالة الباكستانية الدور السلبى الذى قد يلعبه السياق الدولى فى إجهاض التحول نحو ما بعد الإسلاموية.

ووفقًا لبيات، تظهر هذه الحالات وغيرها أن أشكال وعمق ودرجة انتشار ما بعد الإسلاموية قد تختلف فى كل تجربة. ومع ذلك، تشير كل هذه التجارب إلى حدوث تغير فى الرؤية. وتدلل "ما بعد الإسلاموية" فى كل تجربة على الانتقال أو الخروج النقدى والخطابي- بدرجات مختلفة- من حزمة أيديولوجية إسلاموية قوامها احتكار الحقيقة الدينية والإقصائية والتأكيد على الالتزامات، نحو الإقرار بغموض النصوص والتعددية والاستيعاب والمرونة فى المبادئ والممارسات. ومن الواضح، إذًا، أن ما بعد الإسلاموية "قطعية" خطابية و/ أو ذرائعية عن النموذج الإسلاموي. غير أن الاتجاه ليس ما بعد إسلامى Post-Islamic كما يدعوه البعض مخطئين، ولكنه ما بعد إسلامويPost-Islamist. بعبارة أخرى، لا أتحدث عن الانقطاع عن الإيمان الدينى نحو العلمانية- على الرغم من أن "ما بعد الإسلاموية" تشير إلى عملية العلمنة بمعنى تأييدها لفصل الأمور الدينية عن شؤون الدولة- ولكنى بالأحرى أتحدث عن ما بعد الأسلمة كعملية مركبة للانقطاع عن الحزمة الأيديولوجية الإسلاموية من خلال الالتزام بمشروع دينى مغاير وأكثر استيعابًا يستمر فيه الإسلام كدين وكمكون للمجال العام.




موضوعات متعلقة..


خالد عزب: الدولة فى حاجة لبناء شبكة وطنية للمكتبات











مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة