أكرم القصاص - علا الشافعي

كيف وضع الله نموذجا للتعامل مع مشاعر "الفقد" فى حياة "السيدة زينب"؟

الأحد، 12 يونيو 2016 04:00 م
كيف وضع الله نموذجا للتعامل مع مشاعر "الفقد" فى حياة "السيدة زينب"؟ مصحف وسبحة - أرشيفية
كتبت إيناس الشيخ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ليس غريباً على أهل مصر ما وصلوا إليه من تقديس لمقام "السيدة زينب" الذى تجاوز فى عقيدة الشعب المصرى التكريم الدينى لحفيدة رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، ووصل لمرحلة اعتباره ركن من أركان التراث الشعبى يعرفه جيداً مريدين مقام "الست" وعشاقها، لم يبالغ المصريون بإقامة مسجد ضخم لتكريم قبرها حتى وأن لم تكن روايات وجود جسدها فى مصر مؤكدة، ولم يغالِ أحدهم فى إقامة حى كامل من أكبر الأحياء الشعبية المصرية باسمها، ويطلق أهل الحى اسمها على محلاتهم ومصالحهم وتتحول إلى واحدة من الأيقونات المعبرة عن عقيدة الحب والتقديس عند الشعب المصرى بمختلف أجياله، ولا ينبع كل هذا الحب والتقديس والبركة التى ارتبطت باسم "زينب" عند المصريين من كونها من نسل النبى أو من آل البيت فحسب، ولم تحصل زينب على هذه السيرة من لقبها المرتبط بالنبوة فقط، ولكنها حصلت على نصيبها من التقديس والعشق، وارتبط اسمها بالمريدين، بل واعتبرها البعض ذات صلة مباشرة مع الله، وأن من يلقى بطلبه على أعتابها باكياً سيتحقق ببركة "الطاهرة" بنت النبى، وهو ما حصلت عليه "زينب" بما قامت به من دور ربما لا يعرفه العشاق، ولم يسمع تفاصيله أقدم ساكن بحى السيدة زينب اليوم.

هى أخت الحسين والحسن، ابنة فاطمة بنت محمد، وعلى ابن أبى طالب، وهى أيضاً من يمكن اعتبارها السيدة الأولى، وذات الدور الأكبر فى معركة "كربلاء" التى رحل فيها الحسين ومعه ما تبقى من رجال آل البيت، وأخر ما بقى من الولاء لنبوة محمد عليه الصلاة والسلام، بالنظر إليها نظرة أكثر قرباً، سنجدها امرأة شبت على مشاعر الفقد بكل صوره، وكأنما اختارها الله لتكون مثالاً ونموذجاً للتعامل مع تجربة الفقد والفراق بكل ما تحمله من قسوة وشدة.

شهدت وفاة النبى جدها، ثم والدتها فاطمة بنت محمد، صابرة كانت متعلقة بأخيها الأقرب لقلبها منذ ميلادها، فهى ليست فقط أخت الحسين وإنما صديقته المقربة وفقاً لما ذكرته عنها كتب السيرة وحتى كتب الشيعة التى سردت الحكاية من وجهة نظر أخرى، بعد وفاة النبى وفاطمة، تغيرت الأحداث، وانقلب المشهد وانهارت الثوابت، فها ذا والدها يتعرض للحرب والمواجهة ثم القتل، يترك الأمر للحسن الذى يرحل مبكراً بمكيدة من مكائد "معاوية"، ثم تنتفتح الأبواب ليزيد ابن معاوية الذى شن الحرب الضارية على آل البيت، انطلق ركب الحسين لملاقاة جيش يزيد، وفى نهاية الركب زينب وباقى نساء آل البيت، شهدت من مكان قريب معركة تقطع فيها رقاب أبنائها وأهلها جميعاً، وكان المشهد النهائى هو سقوط أخيها الحسين امام عينها، طارت رأسه فقى الهواء أمامها، وسقط جسده تحت الرماح والسيوف التى قطعته دون رحمة=، انطلقت "زينب" راكضة نحو جة أخيها وسط المعركة، احتضنت جسده المنفصل عن الرأس، ورفعت يديها للسماء قائلة "اللهم ما تقبل منا هذا القربان" فى قوة بدأت منذ هذه اللحظة تفرض نفسها على المشهد ككل، لم تنقطع قوة "زينب" التى شهدت لتوها أصعب محنة يمكن لشخص احتمالها، بل سيقت مع باقِ النساء كسبايا لقصر "يزيد" عينيها تراقبا رأس الحسين معلقة على الرماح أمامها فى طريقها للأسر وهى الشريفة بنت النبى، وقفت أما رأس أخيها وهى تقدم ليزيد، ثم انتفضت فى خطبة هى الأعظم على الإطلاق، بعيون أرهقها الدمع ولكنها احتفظت بقوة واضحة فى مواجهته وجيشه قالت "جاء فى خطبة السيدة زينب "عليها السلام" فى خطابها ليزيد: وحسبك بالله حاكماً، وبمحمد صلى الله عليه وآله خصيماً، وبجبريل ظهيراً. وسيعلم من سول لك، ومكنك من رقاب المسلمين بئس للظالمين بدلاً. وأيّكم شر مكانا وأضعف جنداً". – من موسوعة العوالم.

الإمام الحسين


صبرت واحتسبت إلى ما يفوق حدود صبر البشر على المصائب، فقدت كل من لها على وجه الأرض، لم يبق لها ما تبقى من نسل زين العابدين ابن الحسين ومن فروا بعد ذلك للحفاظ على نسل النبى من أبناء الحسن والحسين، هى من وضعها الله فى ابتلاءات لا حصر لها منذ نعومة أظافرها، وهى سيدة أجهدها الفراق، وشق عليها الحال وسط المعارك والمشاهد التى أبصرتها راضية محتسبة، مدافعة عن نسل النبى الذى يعتبر بقاؤها ودفاعها عمن تبقوا من نسل آل البيت بمثابة إنقاذ لنسل الأشراف فيما بعد، اختار الله أن يرحل الرجال وتبقى "زينب" تخطف فى أهل الكوفة، تحمل راية الدفاع عن آل البيت، وتظهر وقتها كذب الأمويين وتفضح أطماعهم السياسية كما أكد المؤرخون عن دورها السياسى، اختار الله امرأة لتخطب خطبة يكتبها التاريخ، اختارها رمزاً للحرية والثورة والشجاعة فى ملاقاة المصير مهما كان قاسياً، اختارها صديقة لأخيها، وكتب لها أن تفقده فى مشهد هو الأصعب على الإطلاق، وعلى الرغم من اختلاف الروايات حول مدفنها فى مصر أو فى كربلاء، إلا أن مقامها، وحيها والمسجد الملقب باسمها كان اختياراً أخر لموضع بركة وقدسية لا يمكن التلاعب بها أو تزيفها عند المصريين وعشاق "السيدة".


موضوعات متعلقة..


"مريم".. حكاية "الله محبة".. رسائل الله للبشرية فى قصة العذراء البتول








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة