يعيشون على هامش الحياة يأكلون الفتات ويتعرضون للتجاهل بل والنسيان حتى صاروا فى الأخير خارج نطاق الوطن والمواطنين وخارج حدود الرحمة عن كان للرحمة حدود، وخارج نطاق الذاكرة وإذا حدث وجاء ذكرهم عرضا فهو لخدمة موضوع آخر غيرهم، وربما تذكرناهم ولكن بشكل موسمى إنهم "أطفال الشوارع" الذين صاروا ينسبون للشارع كأنه هو الأب الذى أنجبهم والأم التى ولدتهم والأسرة التى تحميهم وترعاهم.
ولأن اهتمام المجتمع والدولة بتلك الفئة أصبح عرضيا وربما موسميا كما قلت لك فإنه قد جاءت قضيتهم عرضا ودون اعداد أو تنسيق أو اهتمام فى برنامج "مهمة خاصة" على فضائية الحياة 2 المذاع مساء الخميس 31 مارس، حيث نزل فريق البرنامج لتصوير قصر الخديو توفيق بحلوان للوقوف على مدى ما وصل إليه القصر الذى من المفترض أنه تاريخى وأثرى من تدهور وتهدم حتى صار مأوى للعصابات واللصوص والخارجين على القانون غير أن المفاجأة كانت فى وجود بعض الأطفال المشردين به ممن نطلق عليهم أطفال الشوارع أولئك الذين لا تربطنا بهم سوى مسحهم لزجاج سياراتنا فى إشارات المرور أو مد أيدينا لهم ببعض المال على مضض وكراهية وتأفف.
من قابلهم البرنامج من الأطفال "عبد الرحمن، شريف، وليد، أحمد" هم نتاج أسر ممزقة إما لوفاة أحد الوالدين أو كليهما وإما لفقر الأسرة أو ما بقى منها وإما لتمزق تلك الاسرة بالطلاق الأمر الذى ضيع أطفالها فسكنوا الشوارع والطرقات ولم يجدوا مأوى لهم إلا حطام هذا القصر الذى قصده فريق البرنامج لتصويره فصعقوا لحقيقة مرة حتى صار المذيع أحمد رجب ممزقا ومشتتا بين موضوع الحلقة الأساسى وهو قصر الخديو توفيق واهماله وبين هؤلاء الضائعين على هامش الحياة الذين نسيناهم وعاملناهم بقسوة ولم نرحم ضعفهم وانكرناهم حتى صاروا حاقدين على الحياة وعلى الناس بمرارة وألم وقسوة لهم عذرهم فيها.
كان النموذج الأكثر قسوة وصدمة هو "أبو زيد" شاب يبلغ من العمر ثمانية وثلاثين عاما يعيش حياة التشرد منذ ربع قرن من سن الثالثة عشر حين أنكره أبوه وإخوته غير الأشقاء فصارت أطلال القصر بيته ومأواه تحدث أبو زيد بمرارة عن احتقار المجتمع له كأنه حشره وظلم الناس له وتسببهم فى سجنه أكثر من مرة حتى صار له سجلا جنائيا أبو زيد تسمعه وتراه فتشعر بحكمته التى صاغتها الأيام ومرارة الظلم وحياة التشرد والشوارع.
يؤخذ على البرنامج أنه استغل هؤلاء الصغار للكشف عن طرقهم فى الاختباء والاحتماء بالقصر لأنه هذا قد يؤدى إلى استغلالهم من قبل العصابات الكبرى، وكأنه استكثر عليهم مأواهم المتهدم، فضلا عن خطابهم بلغة لا يفهمونها ولا يعترفون بها حيث طالبهم المذيع بالحفاظ على هذا الأثر الهام لأنه رمز وقيمة حضارية ومعمارية!! ثم تضحك أخيرا بمرارة وأنت تسمع المذيع يقول لأحد الأطفال: "يعنى مش يبقى أحسن لما تروح بيتك وتاخد شاور ؟؟"!!
وأخــــــــــيرا للمجتمع الذى يهتم للحجر والبناء أكثر مما يهتم بالإنسان وأوجاعه، وتتنازع فيه النخب المختلفة على الأدوار والاضواء، وللذين يستعدون للاحتفال بيوم اليتيم ويستعدون أيضا للصور التى يحرصون على التقاطها سنويا لتتزين بها صفحات الصحف والمجلات التى تمجد جهودهم الموسمية إليكم هذه الوجوه الصغيرة والقلوب الضائعة التى لا ترجو إلا الاحترام ثم المساعدة فماذا تفعلون لها؟
ناهد زيان
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد ابوهرجة
مشروع مجرمين
عدد الردود 0
بواسطة:
ناهد زيان
اقتراحات ممتازة