نقلا عن العدد اليومى...
تمتد العلاقات المصرية السعودية إلى زمن طويل، وقد بنيت على مراحل من التطور، شهدت تكاملا وتعاونا بين البلدين. سأعود بك عزيزى القارئ إلى عام 1926، حيث وقعت اتفاقية التعمير التى قامت مصر بموجبها بإنشاء عدة مشروعات تنموية على الأراضى السعودية، وكانت مصر والسعودية من الدول المؤسسة لجامعة الدول العربية، وعندما زار الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود القاهرة تم استقباله بشكل أسطورى تحاكت عنه وسائل الإعلام العالمية.
ووقفت المملكة إلى جانب مصر أثناء العدوان الثلاثى وسخرت المملكة إمكانياتها لخدمة مصر، وشارك فى الحرب الملك سلمان وعدد كبير من الأمراء السعوديين كرسالة بأن الأسرة الحاكمة فى السعودية تدفع بأبنائها تضامنا مع مصر.
ولن ينسى المصريون، الملك فيصل بن عبد العزيز وقراره التاريخى أثناء حرب أكتوبر بقطع إمدادات البترول عن الولايات المتحدة والدول الداعمة لإسرائيل، دعما لمصر فى هذه الحرب، كما قام الأمير سلطان بن عبد العزيز بتفقد خط المعركة فى أحد الخنادق على الجبهة المصرية.
وقام الملك فيصل بن عبد العزيز بالطواف بموكبه فى عدد من المدن المصرية، وسط استقبال شعبى تاريخى، وشهد الرئيس السادات بموقف الملك فيصل فى نصر أكتوبر، هذا الملك الذى كان شخصية تتسم بالحكمة والعلم، وأرسلت مصر قواتها العسكرية للدفاع عن الأراضى السعودية وقت الغزو العراقى للكويت، ولم تتردد للحظة فى الدفاع عن أشقائها.
وطوال هذا التاريخ كان المعلم المصرى يجد مكانته فى المجتمع السعودى فكثير من أهل المملكة تعلموا على أيدى مدرسين مصريين وتربطهم ذكريات طيبة بهم، كما كان لمصر أدوار كثيرة فى الوقوف بجوار السعودية اقتصاديا قبل ظهور البترول فى أراضيها.
وسأذهب بك عزيزى القارئ إلى السنوات القريبة الماضية لأذكرك بموقف لا أعتقد أنه غاب عن بال المصريين يوما، وهو موقف الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمة الله عليه بعد ثورة 30 يونيو الذى لم يتأخر لحظة ولم يحسب أية حسابات إلا لإرادة الشعب المصرى ووقف هو والمملكة أمام المجتمع الدولى كله مساندا لمصر وشعبها، كما كان له رحمة الله عليه الفضل فى إقامة مؤتمر شرم الشيخ لجذب الاستثمار.
مواقف عديدة علينا أن نذكر بها الأجيال الحالية والمقبلة، لأن أن كان هناك بقاء للأمة العربية، فلابد أن يكون هناك استقرار فى مصر والسعودية.
وتأتى زيارة الملك سلمان إلى القاهرة فى توقيت تمر به المنطقة والأمة بتداعيات كثيرة، ولعل هذه الزيارة من وجهة نظرى تأخرت كثيرا فآخر زيارة للملك سلمان كانت عندما كان وليا للعهد، وأتى فى حفل تنصيب الرئيس السيسى ولم يسبق له أن زار مصر وهو ملكا، وهو الأمر الذى كان يطرح تساؤلات عديدة لدى البعض، وأيضا كانت فرصة للاصطياد فى الماء العكر فى بعض الأحيان من أعداء البلدين.
لكن الخميس المقبل سيحل الملك سلمان ضيفا كريما على مصر، وأتوقع أن تكون زيارة تاريخية، وأن يستقبل الملك استقبالا كبيرا رسميا وشعبيا وأيضا أتوقع أن تمنح مصر الملك سلمان قلادة النيل، وهى أعلى وسام مصرى.
والحقيقة أن صورة سلمان فى القاهرة أو السيسى فى الرياض لابد ألا تتأخر، فهذه الصورة تعطى رسائل عديدة لعدة جهات عربية وإقليمية ودولية، فبات واجبا على قيادة البلدين الحرص على هذا المشهد فى أوقات ليست متباعدة كى يرهبون به أعداء الأمة.
أعرف أن هناك لجنة عليا مشتركة بين البلدين على أعلى مستوى تجتمع بشكل دورى فى القاهرة والرياض، لكن لقاء الزعماء يعطى معانى ورسائل كبيرة، وأتخيل أن يكون للرياض دور الوسيط بين مصر وتركيا وبين مصر وقطر، وهذا الدور تحرص عليه المملكة باستمرار، نظرا لما تتمتع به من نفوذ داخل الخليج العربى، وأتخيل أيضا أن تكون الأجندة الاستثمارية السعودية فى مصر على رأس موضوعات النقاش فى هذه القمة.
ندخل بقى على الكلام الجد المباشر:
سلمان بن عبد العزيز وأحد من أقوى الشخصيات العالمية، لأنه ملك لدولة لها حجم اقتصادى كبير، وأيضا لأن المملكة استطاعت مؤخرا أن تثبت للعالم أن لديها إمكانيات عسكرية تجبر الجميع على احترامها، والرئيس السيسى زعيم لأكبر دولة عربية وقائدا لأكبر جيوش العرب وهناك فى المنطقة تهديدات إيرانية غير مباشرة للمملكة، وأيضا غضب سعودى على بشار ونظامه فى سوريا، وكذلك تخوض المملكة حربا مع تحالف كبير ضد الحوثيين فى اليمن، وأيضا تسعى القاهرة إلى تأمين حدودها مع ليبيا وتتبنى فكرة القوة العربية المشتركه وتقوم مصر بمحاربة الإرهاب فى سيناء، وهى فى وضع يحتاج إلى جذب مزيد من الاستثمارات المباشرة، وقد خيل للبعض أن بعضا من هذه القضايا هى موضع خلاف بين مصر والسعودية، وأن عدم تطابق الرؤى فى بعضها يساعد على فتور العلاقات.
لكن عليك أن تعلم عزيزى القارئ أن القوات المصرية البحرية والجوية تشارك مع قوات المملكة فى حربها ضد الحوثيين فى اليمن، وأن مصر هى من أول الدول التى أيدت الحكومة اليمنية والرئيس هادى، وتم استقباله فى القاهرة، وهو موقف متفق تماما مع موقف المملكة، لكن مصر لم ترسل بجنودها على الأرض للحرب فى اليمن، نعم، وهذا أمر أتخيل أن المملكة تتفهمه تماما، كما أنه على المواطن السعودى أن يعلم تمام العلم، أنه لا قدر الله حال وجود خطر يهدد الأراضى السعودية بشكل مباشر فإن هنا الموقف سيختلف تماما، ولن تتأخر مصر أبدا للحظة فى الدفاع عن الأراضى السعودية حتى بدماء أبنائها.
كما أن مصر ترفض تماما أى تدخل إيرانى فى الشأن السعودى، ولا تسمح به وتعرف إيران تمام المعرفة أنه لا يمكن لمصر أن تنفرد بعلاقات معها دون أن يكون هناك تنسيق كامل مع السعودية، ولن أتكلم عن القضية السورية، لأنى حقيقة لا أفهم لا الموقف المصرى ولا السعودى فى هذه القضية والموضوع يحتاج كتالوج لفهم موقف البلدين من هذا الموضوع.
المهم، الآن أصبح على الزعيمين الكبيرين السيسى وسلمان عبئا كبيرا ومسؤولية جسيمة فى الحفاظ على الكيان العربى، أمام المجتمع الدولى فكلاهما تولى الحكم قريبا وكلاهما لديه من القضايا الداخلية الكثير لإعادة ترتيب البيت من الداخل، لكن هذا هو قدر الكبار فمصر والسعودية هما عمادا هذه الأمة، ولابد أن تكون رسالتهما للمجتمع الدولى بنفس الصيغة والتطابق، ولابد أن يفهم الجميع أنهما لن يكونا إلا معا.
ولا يخفى على أحد أن السفير السعودى فى القاهرة أحمد قطان كان عنصرا مهما فى كثير من القضايا بين البلدين، فهو واحد يعيش بيننا وهو منا وتربطه بالمجتمع المصرى علاقات لم يسبق لسفير أى دولة أن حصل عليها، لكن أعتقد أنه عليه واجبات ستزداد بعد هذه الزيارة لتنفيذ التوجيهات والتكليفات التى ستصدر عن هذه القمة.
أشياء كثيرة ونتائج إيجابية متوقعة لزيارة الملك سلمان وتطلعات شعبى البلدين لهذه القمة بلاحدود، وهناك عاطفة شعبية مصرية سعودية تشعر بها فى الرياض والقاهرة، ويعرف كل مواطن سعودى أن مصر هى وطنه الثانى، وإن لكثير من السعوديين ذكريات فى كل شبر من الأراضى المصرية.
فى النهاية
مرحبا بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود فى مصر وبين أهله وناسه وفى بلده الثانى، وعاشت مصر والمملكة درعا وسيفا للأمة العربية.
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد الكردى
صدقت والله يا دكتور خالد
عدد الردود 0
بواسطة:
د لمياء جاد
مقال مميز وخالد ابوبكر محترم