د. محمد على يوسف

أعرف إنه كويس!

الجمعة، 29 أبريل 2016 08:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بهذه الإجابة المختصرة رد مرسى الزناتى على سؤال أستاذة المنطق حين سألته عن هذا الأخير تعرف إيه عن المنطق؟! أعرف إنه كويس!! انقلب الحضور ضحكا وأدرك مرسى مدى بلادة الإجابة أراد أن يجوّدها قليلا فأضاف: أعرف إن الواحد لما ينضرب يقع ما يحطش منطق!

كان هذا المشهد من مسرحية مدرسة المشاغبين يحضرنى دوما حين أطالع تلك المقاطع التى انتشرت مؤخرا يفترض أنها مضحكة والتى يتم تصويرها بين الشباب فى الشوارع والجامعات والنوادى ويتم فيها سؤال المارة أسئلة بديهية أو كانت من قبل بديهية ولكنها لم تعد كذلك

وبغض النظر عن الانحدار الرهيب فى المستوى الثقافى العام الذى تحويه إجابات الشباب فى تلك المقاطع إلا أن المحزن بشدة هو جُل إجاباتهم عن الأسئلة الدينية التى كانت يوما كما قلت بديهية لم تكن تختلف كثيرا عن إجابة مرسى الزناتى عن سؤال المنطق إلا أن لمرسى الزناتى عذرا حيث أن المنطق يعد علما أعقد كثيرا من تلك الأشياء البديهية التى تحويها أسئلة هذه المقاطع،أسئلة من نوعية ما أقصر سورة فى القرآن؟هل تعرف أسماء الخلفاء الراشدين الأربعة؟! هل تعرف أركان الإسلام الخمسة؟! كم جزء يحتويه القرآن؟! إلى آخر تلك الأسئلة التى تسهل تدريجيا من مقطع إلى مقطع حتى تصل فى أحد المقاطع للسؤال عن حفظ سورة الفاتحة وعن اسم نبى المسلمين!!

المفاجأة أنه حتى مع تلك النوعية الأخيرة من الأسئلة كانت الإجابات مذهلة وبعيدة كل البعد -أحيانا- عن أى منطق متوقع حدوثه فى دولة أغلبية سكانها تحمل بطاقاتهم فى خانة الديانة كلمة مسلم ومسلمة!، بُعدا كان يجعلنى كثيرا أحمل كثيرا من الشكوك فى صحة تلك المقاطع وعدم افتعالها بل وفى أهداف المواقع التى تحرص على نشر تلك الصورة عن مجتمعنا، هل يريدون صناعة أى مقطع مضحك والسلام؟!أم يريدون تشويه الشباب؟!هل يودون إعطاء صورة مغلوطة عن المجتمع؟!أم يرغبون فى تهوين حقيقة الدين ومكانته فى قلوب المصريين؟! هذه النوعية من الأسئلة كانت تراودنى دوما وأنا أستمع لتلك المقاطع مؤكدا لنفسى بإصرار أن الأمر ليس بهذا السواد الحالك وأنه يستحيل أن يوجد شاب مسلم لا يعرف الفارق بين نبى الله إبراهيم عليه السلام وبين سيدنا أبى بكر الصديق أو أن مسلمة بالغة عاقلة لا تحفظ سورة الفاتحة التى لا صلاة لمن لا يقرأ بها!

مستحيل أكيد فى حاجة غلط، أكيد فى شىء مفتعل أو متكلف من يحضرون محاضراتى فى المساجد ويستمعون إلى خطب الجمعة الأسبوعية التى ألقيها منذ سنوات ليسوا أبدا بهذا القدر من البعد عن أبسط معلومات الدين، إنهم يفهمون ما أقول ويدركون معانيه بل ويتفاعلون معه مبدين آراءهم سواء بالاتفاق أو الاختلاف، المهم أنهم يفهمون.

لا شك إذا أن هذه المقاطع مزورة أو تمثيلية كوميدية مفتعلة لتشويه صورة الشعب المتدين بطبعه هكذا كنت أطمئن نفسى لاجئا إلى دفن الرأس فى الرمال المريحة كان ذلك قبل أن أقرر يوما ألا أكتفى بالمنبر المرتفع وكرسى المحاضرات الوثير القابع خلف المكتب المهيب وأن أبدأ التواصل والتفاعل بنفسى مع الشبابوكانت الصفعة التى جعلتنى أنتبه لأرفع رأسى من تلك الرمال التى اعتدنا دفن رؤوسنا فيها دون الخوض فى كثير من التفاصيل فإن الحقيقة لا تختلف كثيرا عما حوته تلك المقاطع إن لم تكن أسوأ.

هناك مشكلة فى الخطاب الدعوى المعاصر لم أعد أشك فى هذا.. نحن كدعاة وخطباء ووعاظ فى معزل عن أجيال وفئات مجتمعية كاملة لهم مفردات مغايرة ويتحدثون لغة تختلف كثيرا عن تلك التى نحدثهم بها ويحتاجون إلى طرح ومواضيع غير تلك التى نعيد ونزيد فيها وربما منا من لا يستطيع غيرها، والمسؤولية هاهنا ليست فقط على الدعاة ولكن الأمر يمتد للآباء والمعلمين والموجهين بشكل عام، لابد من مراجعة لغة الخطاب الدعوى والتوجيهى نفسها، لابد من محاولات جادة لإيجاد مفردات تقترب من فهم الشباب والبسطاء بدلا من التعالى النخبوى عليهم لنفاجأ يوما أنهم يُسألون: تعرفوا إيه عن الإسلام؟ فيجيبون: نعرف إنه كويس!






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة