صابر حسين خليل يكتب: ثقافة الصوت

عندما يكون الصوت ثقافة، وتكون الأذن عيناً ترى، عندما يعمل الخيال ويرسم صورة للكلمة، عندما تغمض عينيك لكى ترى، هذا هو حالى عندما سمعت البرنامج الإذاعى "زى مبقولك كده" للعبقرية إسعاد يونس، برنامج شيق لأبعد حد، فى كلماته يختلط الهزل بالجد ليخلق حالة من المتعة والشغف.

فى السابق كتبت مقالاً عن برنامجها صاحبة السعادة، وكان هذا المقال تحت عنوان " إسعاد صاحبة السعادة "، اعتقدت عند كتابته إن إسعاد يونس قد وصلت قمة النضج والإبداع وبلغت أعلى نقطة فى منحنى هذا الإبداع، وإذ بهذا البرنامج الإذاعى الجديد يطرق قمة أخرى من قمم هذا الإبداع.. بالصوت فقط كيف تخلق هذه الحالة، بصوت فقط كيف ترى.. تتخيل، قد نقلتنا هذه المبدعة لسنوات خلت عندما كانت الإذاعة هى منبع المعرفة الأول بعد الكتاب، عندما كان أدباء العالم العربى هم مقدمو البرامج أمثال عباس العقاد، توفيق الحكيم، ثروت أباظة وغيرهم من قامات الأدب العربى.

برنامج "زى مبقولك كده" رغم حديثه بالعامية المصرية إلا أن مفرداته اختيرت بمقاييس خاصة، كلمات ذات رونق وجاذبية، وطريقة أداء غير مبالغ فيها، لكنها تجبرك على الاستماع والاستمتاع.

"زى مبقولك كده" درس لكل من اتخذ الابتذال سبيلاً للوصول للمتلقى، فالأذن تميز بين الردىء والثمين من المفردات.

"زى مبقولك كده" تجربة تستحق الدراسة، تستحق التأمل.

وتتناول إسعاد يونس فى برنامجها الإذاعى الجديد سلبيات هذا المجتمع فى أسلوب شيق ممتع، ولا يخلو من طرافة تزيد من تألق الكلمات الخارجة من الأثير.

"زى مبقولك كده" برنامج لا تتعدى مدته الدقائق الخمس، لكنك تشعر خلالها بمدى الحرفية فيه. الموضوعات يتم اختيارها بعناية والكلمات يتم انتقاء مفرداتها بميزان دقيق.

أيها المبدعة إسعاد يونس برنامجك أجبر أذنى على الرجوع للراديو ثانية وقد هجرتُ جديده منذ سنوات. رجعت وكأن برنامجك هارب من زمن الإبداع الإذاعى القديم.

مرحباً بك فى موجات الأثير 9090 مرحباً بك صوتاً وفكراً ينظف ما أصاب الأذن من ملوثات الرداءة والبذاءة.

أيها المبدعة إسعاد يونس هل تكون هذه القمة هى أعلى نقاط الإبداع لديك ؟ أم ننتظر قمة أخرى فى مكان آخر.

شكراً لكل من ساهم فى هذا البرنامج شكراً لمن يبحث عن الجيد ليقدمه للمتلقى.
وهل هناك من يحتذى بمثل هذه البرامج أم نظل على حالنا نبحث عن المادة فقط ؟
العودة للفن الجميل الهادف والبرامج التى تخلق حالة من الإبداع والجمال.
"زى مبقولك كده" حالة تستحق العيش فيها".