سارت الحكومات المصرية المتعاقبة منذ ستينات القرن الماضى فى اتجاه أن الزيادة السكانية مشكلة، حيث إنها تأكل كل عوائد التنمية وتقلل من معدلاتها وبالتالى لابد من التصدى لهذه المشكلة وكبح جماح هذه الزيادة ، فقامت برامج تنظيم الأسرة منذ عهد عبد الناصر واستمرت للآن مع إنشاء وزارة للسكان بكل ماتعنيه من هيكل ادارى وتنظيمى وموازنات، وتم دمجها أكثر من مرة بوزارة الصحة بتخبط وعشوائية .
أنفقت الدولة أو اهدرت المليارات على مدار الستين عاما، الكثير منها من خزانة الدولة وجزء منها عبارة عن منح ومعونات أجنبية استفاد بها من استفاد من القائمين على هذه البرامج، حيث انفقت على ابحاث ومشروعات تم شراؤها من الخارج وتنفيذها بأساتذة من أساتذة الصحة العامة والنساء والولادة بمكافآت سخية ودمتم ودام عزكم والمشكلة قائمة .
ورغم فشل هذه البرامج وإن كان من قاموا عليها يقولون إنه لولا هذه المجهودات لكانت وصلت معدلات النمو السكانى لأكثر مما هى عليه الآن ، لكننا نقول إن العبرة بالنتائج ، فهل حققنا على مدار الستين عاما ما نصبو إليه ؟ وإذا كنا لم نحققه فلماذا نسير فى نفس الاتجاه المخالف لما جبلت عليه النفس البشرية " المال والبنون زينة الحياة الدنيا " والأولاد عزوة وتحديد النسل حرام وتعدد الزوجات فهذه مفاهيم راسخة فى المجتمع حتى بين المتعلمين .. إذا نحن كمن يحرث فى البحر .
ما دعانى لتناول هذا الموضوع ثلاثة أمور ، أولها إصرار الحكومات على المضى قدما فى هذا الطريق الذى ثبت فشله رغم إنشاء وزارة للسكان وضمها للصحة ثم مجلس أعلى للسكان وهكذا . أما الأمر الثانى فهو ما أفزعت به الساعة السكانية المسؤولين المصريين والاعلام المصرى بوصول عدد سكان مصر إلى 90 مليون نسمة يوم الأحد 12/12/2015م وعقدت الندوات وأفردت الفضائيات ساعات للساعة السكانية واقترح الخبراء أن يكون مشروع تنظيم الأسرة مشروعا قوميا تنمويا .
أما ثالث هذه الأمور هو ما طالب به معالى وزير التنمية المحلية أحمد زكى بدر المحافظات بتعميم نموذج الساعة السكانية فى أهم ميادين وعاصمة كل محافظة على غرار الساعة السكانية الموجودة على مبنى الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء لنشر الوعى بهذه المشكلة التى تعد من أهم وأكبر التحديات التى تواجه المجتمع المصرى، حاليا حيث يتعدى معدل النمو السكانى 2.5 % ، وهذا فى رأيى المتواضع تسطيح للمشكلة ولم يلتفت الوزير لجهد ستين عاما فهل ستحل الساعة السكانية المشكلة ؟ ثم تصريحات رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء الأخيرة والتى تصب فى هذا الاتجاه أيضا ..
عندما يسير أحدنا فى طريق ليصل إلى الأسكندرية ويجد نفسه وصل إلى أسوان فهل يسلك هذا الطريق مرة أخرى ؟ بالتأكيد لا .. لكننا سلكنا هذا الطريق ستين عاما . فهل نحن مغيبون ؟ أم نحن فاقدى العقل ؟ لماذا لم نجرب طريقا آخر مدروسا ومخططا ومعلوما لنا ويحقق هدفنا كما حقق أهداف أمم مثلنا عانت من الزيادة السكانية ولكنها نظرت إليها كنعمة وليست نقمة فإندونيسيا 200 مليون وتعاملت مع المشكلة بهذا المفهوم وتجاوزت المشكلة . وإن شئنا الصراحة والمكاشفة ومواجهة النفس بشجاعة فإن الزيادة السكانية كانت الشماعة التى علقت عليها الحكومات فشلها فى التعليم والصحة والضمان الاجتماعى فأهدرت المليارات والوقت والجهد واستفاد من استفاد من هذا الوهم وأموال المنح والمعونات المخصصة لهذا الغرض وظلت الدولة تعانى ومعها المواطن .
الحل أن نغير الفكر ونعتبر الزيادة السكانية نعمة وليست نقمة فهى أعز ما نملك من الموارد البشرية التى هى عصب أى أقتصاد وهى أهم من المال والأرض وأعتقد أن دخل مصر من العملات الأجنبية من العاملين فى الخارج تصل على 20 مليار دولار سنويا تفوق دخل قناة السويس والسياحة التى تتعرض لأزمات متتالية والهند لديها قرى يصدر شبابها برمجيات بمليارات الدولارات ، الأقتصاد المعرفى الذى أتجه إليه العالم يعتمد على الانسان المتعلم ، فالسكان تعنى نوعية السكان وتوزيعهم الجغرافى وفشلنا فشلا ذريعا فى توزيع السكان فنحن لانسكن إلا 7% من مساحة مصر ، وفشلنا فى التعليم فى أن نقدم تعليما حقيقيا يؤهل الخريجين لسوق العمل فى مصر وغيرها من بلاد الله خلق الله وفشلنا فى تقدبم خدمات صحية حقيقية فتركنا الفيروسات تأكل فى أكباد شباب مصر حتى أصبحوا كهولا فى سن الشباب ، فمن سيدافع عن مصر غير شبابها ، فشلنا فى التضامن الاجتماعى فأصبح أطفالنا يركبون مراكب الموت للوصول إلى شواطئ ايطاليا لينضموا إلى عصابات المخدرات والاعمال المنافية للآداب ، أعلم أن المتحزلقين والمخونين لكل رأى يصب فى صالح البلد سيتهموننى بأننى مع الزيادة السكانية أو أشجع عليها وهذا محض افتراء و جهل لأننى أتبع العقل والمنطق وواقع الحياة ، ومايفرضه علينا الواقع والمنطق . ننعت القارة الأوربية بالقارة العجوز وبجوارنا دول تعانى خللا فى التركيبة السكانية التى تتهددها حيث أن اعداد المقيمين الاجانب أكبر من مواطنيها . كفانا إهدارا للمال العام والوقت فى معركة خاسرة . لماذا لانجرب هذه النظرة وقد نجحت فى بلاد تعانى مثلنا وظروفها مثلنا ..والله من وراء القصد وهو الهادى إلى سواء السبيل .
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
احنا معنديناش مشكلة سكانية