محمد عبد السلام أبو هرجة يكتب: الدرويش

الثلاثاء، 15 مارس 2016 02:08 م
محمد عبد السلام أبو هرجة يكتب: الدرويش قصر - صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
على أطراف المدينة الصاخبة يقع هذا القصر فى هذا المكان الهادى تحوطه الأسوار المختلطة بجحارة الجرانيت، وداخل القصر مساحات خضراء واسعة تمتلئ بأنواع نادرة من الأزهار والأشجار وعدد من السيارات والموظفين ورغم كل هذا يسكن هذا القصر شخص واحد فقط صبرى باشا أحد رجال الأعمال والذى أصبح من أهم وأخطر رجال الأعمال من حيث الثروة الهائلة وتنوع شركاته وعدد موظفينه الذى يقدر بالآلاف ويعيش صبرى باشا بمفردة بعد سفر زوجته وأولاده إلى كندا للدراسة ويسافر صبرى باشا من حين لآخر إليهم فى إجازات متقطعة.

صبرى شخصية غامضة له اهتمامات كثيرة بالاعمال الخيرية ولكنه فى هذه الايام بعد سفر زوجته اصبحت هناك حفلات اسبوعية تجمع رجال اعمال ونجوم مجتمع ولاعبى كرة القدم وهذه الحفلات رغم تكلفتها العالية الا انها تعتبر اجتماعا لعقد الصفقات ولا تخلو من وجود صفقات مشبوهة من كل الجوانب وايضا مجال تعارف ونفاق وخيانة وسمسرة وصعود وهبوط اسهم بالبورصة فهذه الحفلات تعتبر مثل جلسات البورصه هناك فائز وهناك خاسر وهناك من يحاول الدخول ويتواجد شخصيات بصفة دائمة امثال فهمى باشا وابراهيم باشا من اكبر رجال الاعمال ويتظاهرون بحبهم واخلاصهم لصبرى باشا ويعتبرون كارنيه الدخول لأى شخص غريب يحاول الدخول للمرة الاولى للقصر. فيبدو القصر من الخارج مثل الثكنة العسكرية لما يتم تأمينه بالحرس الخاص المدججين بالاسلحة فلابد من دعوات موقعه من صبرى باشا شخصيا.

يحضر صبرى باشا فى موعد متأخرا نسبيا بعد اكتمال العدد ليقوم بالتسليم على كل من بالمكان بالضحكات المتبادلة والقبلات التى تحمل الكثير من النفاق بعلم صبرى باشا ورغم ذلك فصبرى سعيدا جدا بهذه الحفلات التى أصحبت روتينا تعود عليه ويجلس فى منتصف الحفلة ويأخذ كاسا ويرفعه فى الهواء معلنا بداية الاحتفال ويصيح فى صحكتوا يا جماعه كله ينبسط ويضحك كثيرا ثم يجلس.

وفى إحدى الحفلات حدث ما لم يكن أحد يتوقعه أو حتى يخطر بباله . يقتحم شخص ما الباب ويفتح فجأة ويرتطم الباب باثنين من اضخم الحرس الخاص ويلقيهم بعيدا واوقف صوت ارتطام الباب الموسيقى واثار انتباه جميع الحضور لهذا الشخص العجوز ويلبس ثيابا خضراء ويحمل على صدره كمية هائلة من السبح وشعر طويل ابيض اصاب هذا المشهد احدى الفتيات التى تحضر الحفل فى منتصف العشرينيات تلبس فستان سواريه اسود ووقعت على الارض ولم يحاول احد مساعدتها للنهوض، فالكل فى حالة صدمة ورعب ممتزجان بمجموعه من الاسئلة من هذا الشخص وكيف دخل إلى هنا وهنا يقف صبرى باشا مذهولا ويضع يده على صدره ويقع على الارض ويتجمع الجميع حوله ومازال المشهد فى هذه الحالة من الفوضى فينادى احد اصدقاء صبرى ويدعى ابراهيم باشا : يا جماعة حد يطلب الاسعاف هنسيب الراجل يموت ولا ايه.

ويرد فهمى باشا مقتربا من الرجل العجوز وممسكا بمسدسه فى وجهه قائلا : انت مين ودخلت هنا ازاى وعايز ايه ولوخايف على نفسك اطلع برة لان شوية الشرطة هتيجى وهتروح فى ستين داهية
يبتسم الرجل العجوز بكل ثقة رجع المسدس يا فهمى عشان موش تضيع نفسك
ينفعل فهمى باشا اكثر ويصيح : انت مين وجيت هنا ازاى وعايز ايه بالضبط .

يرد العجوز صارخا و الغريب أن صوته كان عاليا لدرجة أن من يسمعه يعتقد انه يتحدث من مكبر صوت : انا الدرويش انا توأم صبرى انا خياله وظله اللى مكنش بيفارقه . أنا ضميره اللى كان بيوجهه دايما للخير والمؤشر اللى كان بيقيس بيه اخلاص الناس اللى حواليه . انا صوته اللى بيسمعه . وانتوا الارواح الشريرة اللى حولت صبرى لشخص آخر من الخير للشر كل حاجة اتعكست .حياته اتغيرت والدنيا اخدته والغرور افسد فطرته وميزان العدل عنده بقى كفة واحدة بس كفته هو وبس . انا هنا عشان اعدل الميزان وارجع الحقوق وافصل بين الارواح . انا من جنس تانى خالص وانتوا صحيح ممكن تكونوا شافين وسامعين كل حاجة لكن محدش يقدر يلمسنى او حتى يضرب عليا النار لانى من زمن مختلف ومن مكان لا يمكن أن يستوعبه احد .

فيرد ابراهيم باشا وهو يحاول الاقتراب متسائلا محاولا انهاء هذه المسرحية الكابوس : والمطلوب ايه ؟
فيبتسم العجوز : ايوة كدة عجبتنى يا ابراهيم طول عمرك عاقل وموش متهور . وبتعرف توصل بسرعه للهدف بدون جهد او مشاكل . المطلوب حاجة واحدة الارواح الشريرة تغادر القصر الآن ولا تعود مرة اخرى ولا تحاول أن تتصل بصبرى مرة اخرى ولا تحاولوا أن تخدعونى حتى لا اقوم بايذاء أحد فحتى الان انا لم اؤذى أحد .

هنا ارتفعت الاصوات مرة اخرى والفوضى تعم المكان وهنا نادى فهمى باشا على ابراهيم باشا قائلا عايزك يا ابراهيم وفى احد الاركان يهمس فهمى فى اذن ابراهيم قائلا : ايه يا ابراهيم انت مصدق المجنون ده ولا ايه دى رصاصة واحدة تخلص عليه ونخلص من المهزلة دى عشان انا حاسس انها لعبة من صبرى عشان يضحك علينا فى الآخرويكشفنا ويتسلى بينا و أنا موش هسمح بالمهزلة دى
يرد ابراهيم باشا : الموضوع خطير يا فهمى انت شايف الراجل ده فتح الباب ازاى والاتنين اللى كانوا واقفين معرفوش يوقفوه ومنعرفش امكانياته ايه ممكن يكون فعلا لعبة من صبرى او ولى من اوياء الله والناس دى مينفعش التهور معاها عشان موش تضيع نفسك احنا ننسحب فى هدوء ولما كلنا هنمشى هنشوف هيحصل ايه ولو طلعت لعبة من صبرى هعرف ازاى ارد له اللعبة دى عشان يحرم يعملها تانى
وبالفعل خرج كل من فى الحفل ومنهم من حمل الفتاة التى مازالت غائبة عن الوعى منذ دخول الدرويش وكان آخر الخارجين من القصر ابراهيم وفهمى وهنا اقترب الدرويش من صبرى الذى مازال واقعا على الارض ووضع يده على رأسه وقرأ الفاتحة سبع مرات وهنا عادت الحياة فى صبرى منتفضا وصائحا الدرويش انت جيت هنا ازاى جيت هنا ازاى ويختفى الدرويش ويدخل الخادم على صبرى وما زال صبرى مندهشا لقد افاق من حلمه ولكن وجود الدرويش فى الحلم كان رسالة لينتبه إلى حياته وينظف امواله التى تلوثت بصفقات مشبوهة ويرتب علاقاته وينتقى اصدقائه ويعمل فى نفس الاتجاه الذى بدأه وهو أعمال الخير التى تركها وأهملها واليتامى والمرضى الذين كانوا يعقدون عليه آمالا كبيرة يعود اليهم . ويعلم أن تجارته واعماله كانت تزيد بسببهم وان لهم حقوق عنده.


موضوعات متعلقة..


- عصام عطية يكتب: أزمة وهتعدى






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة