أسامة عبد الحميد يكتب: صخرة "الروشة" الباكية

السبت، 12 مارس 2016 08:08 م
أسامة عبد الحميد يكتب: صخرة "الروشة" الباكية صخرة الروشة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أرأيتم اللوحة الساحرة التى أقامتها يد الخالق على شاطئ الروشة ببيروت، تلك اللوحة التى تجمعت فيها كل ما تملكه الطبيعة من مظاهر السحر والجمال، ذلك الشاطئ الصخرى الممتد على الكورنيش الملىء بالفجوات التى زادته سحراً وجمالاً كأجمل عقد يزدان به جيد هذه البلد، وتلك الصخرة الشامخة التى خرجت من وسط مياه البحر.

كم هى جميلة بيروت، وبرغم أن كل شيء هنا يدعوا إلى المرح وكل ما حولى جميل، إلا أن كل هذا لا يساوى نظرة إلى وجهك، عندما أسير فى شوارعها وأرى حبيبين تتشابك يداهما فى ود وحنان ويسيران معاً، أحس بالحب الذى يكنه كل منهما للآخر فأتذكرك وأتمنى أن ألمس يدك وأسير معك، وما دمت أعيش على ذكرى حبك فأنا بخير.

جلست على ذلك الشاطئ الذى امتلأ بأشتات من الناس قد تبعثروا هنا وهناك، يغنون ويتمايلون ويتراقصون فوق هذه الصخور ويمتعون أعينهم بهذا السحر، وينهلون بأفئدتهم الجمال، وقد دارت بينهم أكواب الشاى، وانتشر حولهم أريج بخارها وأقيمت أمامهم النراجيل.

إنها لوحة نادرة الصنع الإلهى العجيب، يظل يلتقى عندها عشاق الطبيعة والجمال ويزدحمون حولها، لكنى ما وقفت عند هذه اللوحة إلا وانصرفت عينى إلى لوحة أخرى مؤثرة قد انصرف عنها الناس، لوحة من الصخر الأصم اختبأت بين الصخور التى حولها، ورسم عليها قلب وأصابه سهم كتب عند أوله اذكرينى دائماً، وعند نهايته لن أنساك أبداً.

إنها لوحة جامدة لكنها تبعث أصداء أليمة لنجوى قلبين كسيرين، لوحة ليس من مكترث بها ولا ناظر إليها ولكنها تحكى عن قصة مأساة، تُرى أى مأساة طافت بهذين القلبين، وأى قسوة نالتهما فلم يجدا من يبوحان له بحبهما إلا هذه الصخرة، أية يد مجرمة فرقت بينكم، وددت لو أنى سمعت قصتكم من إنسان بدلاً من أن أسمعها من حجر لا يحس ولا يشعر.

نظرت إلى هذه الصخرة أتأملها وهى نعانق مأساة هذين الحبيبين فى جمود لا يتبدل، إنها تعيش فى حداد مستمر من الحزن عليهما، وتعيش فى ألم لأن الناس يمرون ويمرحون فوقها غير ملتفتين ولا عابئين بما عليها، وخيل إلى أن هذين الحبيبين ختما قصتهما على هذه الصخرة واتخذوا منها آخر العهد بالدنيا ورما بنفسيهما أملاً فى مصير أفضل بعد أن وسوس لهما الشيطان بذلك.

لا تزال هذه الصخرة تطل على الناس وتروى لهم هذه المأساة ومهما يكن فإن جمال الطبيعة لا يتكامل فى دنيا يشيع فيها الأسى، إلا إذا تراءت خلال لوحتها الضاحكة صورة من الجمال الباكى، وعلى شاطئ الروشة مظهر متكامل لهذا الجمال، فإذا ما وقفتوا على ذلك الشاطئ فى يوم ما، فلا تنسوا أن تبحثوا عن هذه الصخرة الباكية التى تروى قصص اللوعة والأسى، وعندئذ فقط يكتمل أمام أعينكم مشهد الجمال، فإن فرت من عينكم دمعة فربما تنعش القلب أكثر من رقصة كاذبة فوق أطلال من بقايا قلوب.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة