محمد خالد السباعى يكتب: ركاب الرحلة الأخيرة

الإثنين، 29 فبراير 2016 02:08 م
محمد خالد السباعى يكتب: ركاب الرحلة الأخيرة كلية الصيدلة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ضرب الشيب رؤوس الشباب فلم يعد فى شبابهم سوى الأزياء ولم يبق لهم إلا بعضا من لهوهم، المترو الحزين، قطار البؤس، الرحلة الأخيرة.. كل هذه الأسماء ممكن أن تطلقها على هذا الشىء الذى منذ ان عرفت الطريق اليه وعلى اختلاف العربات التى تنقلت بينها لم أرَ ابتسامة واحدة تدعو إلى التفاؤل فى بداية اليوم أو حتى تغيير شكل يوم عبوس فى آخر النهار، ولم أكن أدرك أن اليوم سيكون أكثر حزنا من البارحة ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، فبعد وجودى فى الكلية لمدة تتراوح بين ثلاث لأربع ساعات أتنقل بين المعامل مثلى كمثل معطفى الأبيض أصم وأبكم وأعمى بل إنه يتميز عنى ببياضه الناصع والذى يكشف كآبة وجهى العابس، وبعد أيضا أخذى لدرجات لا أعلم كيف أصبحت ملكى ولكن دعنا من كل هذا فلم يبدأ السوء بعد.

تنقلت بين أقسام الكلية بحثا عن الكتب التى يجب أن أبتعها ورغم أنى على يقين أنى لن أتصفح ولو خمس صفحات منها كحد أقصى ولكن يجب على أن أشتريها وهذا لسبب بسيط يكمن فى جملة واحدة "الدكتور قال كده"، وبعد مرورى بأربعة أقسام وتبقى لى قسم واحد حتى أكون قد أكملت الجولة غير المجدية على الإطلاق وما إن دخلت ذلك القسم الأخير وها أنا أجد امرأة كانت تقفل بذراعها حدود الباب ولم تدع لى مجالا للمرور حتى بعد ما استأذنتها ولسبب بسيط أيضا يكمن هو الآخر فى جملة واحد "بنمسح المعمل يا دكتور هيهيهيهى" لا أعلم أتنظيف المعامل مبهج إلى هذه الدرجة أم أن الضحكة المفتعلة رغبة فى شىء ما، ولكن هذا أيضا لا يهم، وبعد حصولى على الكتاب من خلف الذراعان سأبدأ مغامرتى مع قطار البؤس، ومع أول خطوة أخطوها داخله وأجد مكانا وهذا من الأشياء النادرة أجد امرأة ليست بالعجوز ولكن سنها لا يوحى بقدرتها على الوقوف وكما يفعل الجميع أقوم لكى تأخذ مكانى، والآن - وبعد أن تملكك الملل - سأقص عليك لم اليوم أسوأ من الأمس، لأنها بدأت أن تحكى لى عن مأساتها مع ابنها الكسول الذى تدفع له مصاريف باهظة - من وجهة نظرها - فى كليته الخاصة ولكنه مصر على عدم حضور محاضراته ولم تكتف بذلك بل أكملت بحالتها الصحية التى لم تكن على خير ما يرام.

وبالفعل وبعد ملاحظة معطفى الأبيض يأتى السؤال "وأنت دكتور فى إيه يا حبيبى" وعلى الرغم صعوبة كلية الصيدلة التى أنتمى إليها والتى جعلتنى أمقتها بعض الأحيان إلا أننى أشكر الرب فى هذه اللحظة إنى أحد طلابها، "لا أنا فى صيدلة" وكانت هذا أول كلماتى بعد سلسال كلماتها الطويل، ولكن لم تشفع لى صيدلة حتى فى موقفى هذا فقد أتى السؤال الذى يتضمن وصفة لعلاج سوء حالة الكبد ورغبة منى فى إبقائها حية وجدت حلا سريعا ويكمن فى جملة واحدة أخرى "أنا لسه فى سنة أولى" ولمعرفتى الجيدة بمفعول هذه الجملة قلتها بفخر شديد فالكل يخاف من طلاب السنة الأولى يخاف أن يتم التعامل معهم من قبل طلاب الفرقة الأولى على أنهم حقل تجارب، وبعد لحظات قررت هى مغادرة قطار البؤس وتركى مع همومها والتى ومع مقارنتها بحالى فانى بأفضل حال بل إنى أسعد رجال الأرض فى ذلك الوقت، فالموضوع نسبى فمهما كانت مشاكلى لا أرضى أنها فى مثل خيبة الأمل فى شاب كسول وأيضا أشفق عليها وأتمنى شفاءها وأشكر ربى على عافيتى، وأعتقد أن اليوم الذى أظن أنه أسوأ من البارحة كان أفضل بالنسبة لى مقارنة بمعظم ركاب الرحلة الأخيرة أنا بأفضل حال ولابد أن أكون شاكرا لهذا بل وأستمتع بكل ما لدى.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة