الحرية والعدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد كلها معانى وغايات كبرى تحلم جميع المجتمعات بتحقيقها ولكل غاية وسيلة وهنا تكون الوسيلة هى "الديمقراطية".
فدائما ما تنظر الشعوب إلى مفهوم الديمقراطية وتطبيقه على أنه المُنقذ من غياهب الفساد والاستبداد وخير وسيله إلى طريق التقدم والعدل الاجتماعى والقضاء على حكم الفرد المطلق عن طريق آليات وقوانين واضحة تنظم عملية التبادل السلمى للسلطات.
هناك بعض الدول الغربية تطبق مفهوم الديمقراطية وتبادل السلطات منذ عقود عدة بكل سهولة ويسر ولكن تلك المجتمعات لا تعانى من الجهل والفقر الذى يمثل آفة تصيب المجتمعات النامية وتعوقها من ممارسة الديمقراطية مثل بقية دول العالم المتحضر.. فالألفة الأولى تكمن فى ضعف مستويات التعليم وبالتالى تدنى الثقافة والمعرفة مما ينعكس على آراء وأفكار الشعوب فيجعلهم بيئة خصبة لتجار الدين من جهة وأبواق الإعلام الموجهة من جهة أخرى.. أما الآفة الثانية تكمن فى سلاح المال الذى يستخدم فى الرشاوى الانتخابية نتيجة حاجة الناس المُلحة وضعف مستوى المعيشة.. فتجد هنا الديمقراطية والانتخابات النزيهة تعكس صورة وأشخاص عكس نبض الشارع وهنا تكمن أولى الآثار السلبية للديمقراطية.
على الجانب الآخر هناك بعض الأنظمة الحاكمة التى تتخذ من الديمقراطية وسيلة للوصول إلى السلطة ومن ثم التشبث بها والبدء بتغيير قواعدها بما يتناسب مع أهوائها ومصالحها على غرار النظام "التركى" الحالى الذى أتى بانتخاب ديمقراطى ثم قضى زعيمه رجب طيب أردوغان فترة ولايته الأولى والثانية كرئيس للوزراء وهنا النظام الحاكم طبقا للدستور هو النظام البرلمانى وبعد انتهاء فترة ولايته الأخيرة كما حدد الدستور التركى داعبته نشوة السلطة والحكم من جديد فأراد أن يعدل الدستور حتى يتمكن من جعل النظام فى تركيا نظام رئاسيا يتناسب مع أهوائه الحالية لكن يجب عليه أولا أن يحصل على أغلبية برلمانية تمكنه من ذلك فبدأ بالفعل فى المشاركة فى الدعاية الانتخابية لحزب العدالة والتنمية الحاكم فى تركيا على الرغم من تجريم الدستور التركى لذلك الفعل بنص واضح وصريح يؤكد على حيادية منصب الرئيس ومع ذلك فشل حزبه فى الحصول على الأغلبية وحصل على 40% فقط من أصوات الناخبين فأخذ يماطل مع بقية القوى السياسية حتى فشلوا فى تشكيل حكومة ائتلافية فدعا إلى انتخابات جديدة فى غضون 3 أشهر حصل فيها حزبه على 50% وبات الآن على مقربة من تغيير الدستور التركى إذ يحتاج فقط إلى عدد 13 نائبا بالإضافة إلى كتلته البرلمانية لتمرير دستور ونظام رئاسى طالما كان أردوغان معارضا له.
خلاصة القول أن الشعوب العربية من بعد 2011 ذاقت ويلات الركود الاقتصادى والحرب الأهلية وباتت تمنى النفس بالعودة إلى ما قبل هذا التاريخ والسبب الرئيسى هو سوء استخدام الديمقراطية أو بمعنى آخر ديمقراطية الهوى والمصالح الشخصية لذا ينبغى أولا أن نقضى على الجهل وأن نعمل على تأهيل الناس بنشر الوعى والثقافة حتى يصبحوا مؤهلين لاستخدام حقهم الأساسى فى الانتخاب والتعبير عن آرائهم.
د. محمود خليفة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة