"وُلد الهدى فالكائنات ضياء".. شيخ الأزهر فى حفل المولد النبوى: المغرمون بهدم القديم لا جديد لديهم ويقدمون الضحالة والثرثرة.. "الطيب" يستشهد بـ"العقاد" وأمير الشعراء ويشكر "السيسى" لاهتمامه بشباب مصر

الخميس، 08 ديسمبر 2016 12:50 م
"وُلد الهدى فالكائنات ضياء".. شيخ الأزهر فى حفل المولد النبوى: المغرمون بهدم القديم لا جديد لديهم ويقدمون الضحالة والثرثرة.. "الطيب" يستشهد بـ"العقاد" وأمير الشعراء ويشكر "السيسى" لاهتمامه بشباب مصر الرئيس السيسى والإمام الأكبر أحمد الطيب فى الاحتفال بالمولد النبوى
كتب لؤى على - إسماعيل رفعت

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أيام قليلة ونتنفس نفحات المولد النبوى الشريف، والأيام المباركة التى شهدت ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل قرون طويلة، وما زال رغم تباعد الزمن حاضرًا بضيائه ورسالته وفعله فى الدائم فى النفوس والأرواح، حاضرًا بشكل يومى متصل، لا يغيب ولا ينطفئ، وحاضرًا بقوة ووضوح لا مثيل لهما فى هذه الأيام المباركة المعتادة سنويًّا، التى يحتفل فيها الراكب والسائر، الغنى والفقير، الرئيس وشيخ الأزهر، بهذه المناسبة الجليلة، والرمزان الأخيران كان يحتفلان اليوم بالفعل.
 
قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إن يوم مولد النبى ﷺ ليس فقط يوم ميلاد رسول عظيم، أنقذ الله به الإنسانية وصحح به التاريخ، وإنما هو ذكرى ميلاد أمة صنعها هذا النبى الكريم، وربّاها على مكارم الأخلاق وأصول ألفضائل، والدعوة إلى الخير والحق، ومقأومة الشر والباطل، وبفضل هذه التعاليم النبوية قدم المسلمون فى مسيرتهم الحضارية كثيرًا ممّا أسعد الإنسانية، وظلّلها بظلال وارفة من العدل والحرية والإخاء، وعصمها ممّا ارتكست فيه حضارات أخرى، كانت، فى بعض انعكاساتها، وبالاً وشرًّا مستطيرًا على البشرية قديمًا وحديثًا.

الإمام الطيب: تنوع السيرة النبوية لم يُعرف لشخصية فى التاريخ إلا محمد 

وأضاف "الطيب"، فى كلمته التى ألقاها فى ذكرى المولد النبوى الشريف، بحضور الرئيس عبد ألفتاح السيسى، قائلاً: "لعل من أصعب الصعب، إن لم يكن من رابع المستحيلات، تقديم شخصية استثنائية كشخصية محمد ﷺ، والإلمام بعظمتها فى كلمة أو محاضرة أو كتب، صغرت أو كبرت، فضلا عن الإحاطة بملامحها وقسماتها، وإن شئتم دليلاً على ذلك فانظروا إلى الإمام محمد بن يوسف الصالحى الشامى، من علماء القرن العاشر الهجرى، فى موسوعته الكبرى (سبل الهدى والرشاد فى سيرة خير العباد)، فقد قضى هذا الإمام عمره فى تأليف هذه الموسوعة التى وصفها فى مقدمة كتابه بقوله: "وإذا تأملت هذا الكتاب علمت أنه نتيجة عمرى وذخيرة دهرى"، وقال عنه إنه انتخبه من أكثر من  ثلاث مائة كتاب فى السيرة، قرأها وتحرّى فيها الصواب الذى أثبته فى موسوعته هذه، وقد تدهشون حين تعلمون حضراتكم أن عدد صفحات مجلدات هذا الكتاب بلغت ستا وستين ومائة وتسعة آلاف صحيفة، كان محمد ﷺ محور الحديث فيها، من أول سطر إلى آخر سطر.
 
وتابع الإمام الأكبر كلمته: "من عجب أمر هذه السيرة العطرة، أن تنوعت إلى أنواع عدّة من السير، لم تُعرف لشخصية فى التاريخ البشرى إلا للذات المحمدية، فمن هذه السيرة ما يعرف بالخصائص، وهى الصفات والفضائل والمكارم التى اختُّصت بها شخصيته المتفردة على مستوى الإنسانية، وعلى مستوى التاريخ وامتداد الكون، ومنها نوع ثان أطلق عليه (الشمائل المحمدية)، وهو علم مستقل من علوم السيرة النبوية، سُجّلت فيه أدق دقائق أوصافه ﷺ الخلقية والخلقية، وأحواله الشخصية والمنزلية والمجتمعية، وفى هذه الشمائل نقرأ وصفا تفصيليا عن هيئته ﷺ، وقسمات وجهه الشريف، ولونه وعينيه وأنفه وفمه وشعره، وطوله وعرضه، وكفيه وقدميه، وكيفية مشيته، وكيف كان ينظر إلى الناس، ثم ينتقل التسجيل الدقيق إلى وصف خاتمه ﷺ، وخضابه ولباسه وخفّه ونعليه، وسيفه ودرعه، وعمامته وإزاره، ثم جلسته واتكائه، وأكله ونومه، وضحكه ومزاحه وبكائه، إلى تفاصيل أخرى يضيق المقام عن سردها".

شيخ الأزهر يستشهد بالأديب محمود عباس العقاد فى الحديث عن الرسول

ويواصل شيخ الأزهر الشريف الكلمة خلال الاحتفالية، قائلاً: "هذا فيما يتعلق بصفاته الخلقية، أما صفاته الخُلقية فقد أحصيت أصولها، واستقلّت بها أبواب وفصول، بل كتب مستقلة، مثل طول حلمه وقوة احتماله وعفوه ﷺ، وجوده وكرمه، وشجاعته ونجدته، وحيائه وإغضائه، وحسن عشرته، وشفقته ورأفته، ووفائه وحسن عهده، وتواضعه، وعدله وأمانته، ووقاره ومروءته ﷺ، ولم يقتصر هذا الشغف بتسجيل حياة النبى الكريم على قدامى المؤرخين، وكتاب المغازى والسير، بل امتد هذا الحب والولع لمؤرخى كل عصر ومِصر، ومن أوآخر عشاق هذه السيرة المطهرة، فيما نعلم، الدكتـور صــلاح الــدين المنجــــد (ت 2010 ميلاديا) رحمه الله، والذى أصدر كتابا بعنوان (معجم ما أُلِّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أحصى فيه ألفين وأربعمائة وثمانية وثمانين كتابا تخصّصت فى تسجيل حياته ﷺ فى كل جوانبها ومناحيها، ورغم هذه الكثرة من المؤرخين المسلمين وغير المسلمين ممن نذروا حياتهم وأفنوا أعمارهم فى تسجيل سيرة نبى الإسلام، والكشف عن أسرارها ودقائقها، رغم ذلك بقى من ذخائر هذه السيرة الزكية الكثير الذى تفتقر إليه الإنسانية اليوم، وتحتاجه احتياج الأعمى إلى قائد خبير بالطريق، بصير بمزالقه ومهالكه". 
 
وأضاف "الطيب": "على أن ما كتبه المؤرخون واستنفدوا فيه ماء عيونهم، هو أقل قليل تقدمه البشرية من إجلال واعتراف بالعظمة والعظماء، وإذا كان تكريم العظيم حقا على الناس، أيا كان الزمن الذى يظل هذا العظيم، أو الأرض التى تُقلّه، فإنه فى زمننا هذا من ألزم اللوازم وأوجب الواجبات، بعد أن استبدت الحركات السياسية المعاصرة، والمذاهب الاجتماعية الحديثة الوافدة، بتوجيه أبنائنا وبناتنا، ودندنت لهم طويلا على وتر (المساواة) وتسأوى الرؤوس، وعدم التمايز، حتى ظن كثير من الصغار أن لهم قامات يساوقون بها مناكب العظماء والمصلحين، والعلية ممن لا يجود الزمن بأمثالهم إلا واحدا بعد واحد، وعلى سبيل الندرة والاستثناء من القاعدة ومجرى العادات، بل اعتقد كثير من المتضخمة نفوسهم وعقولهم بالفهم المنحرف لمعنى المساواة، أن من حقهم إنكار العظمة، وغمط العظيم حقه، وأن جديدهم جدير بنسخ القديم فى كل شىء، حتى لو كان هذا القديم أصلا أو جذرًا يضخ الغذاء، ويهب الحياة لثمرات يانعات على أغصانها، وأن هذه الثمرات إذا ما اجتُثّت عروقها من جذورها لا تلبث أن تجف وتموت، ثم تذروها الرياح التى تهب عليها من غرب ومن شرق، ولا مفر مع هذه الآفة التى يبعثها الغرور ويثيرها النـزق، من أن تضطرب القيم، وتهتز المعايير، وتنبهم معالم الحق، وتهبط قيمة الضمير الإنسانى إلى الحضيض". 
 
ويواصل الإمام الأكبر كلمته قائلاً: "ما أصدق ما قاله عملاق الأدب العربى عباس محمود العقاد، وهو يقدم للنبى ﷺ فى مفتتح عبقرية محمد، من أن الإنسان الذى لا يرى عظمة العظيم، إنسان لا يسأوى شيئا، وأن المجتمع الذى يضيع فيه الكبير يضيع فيه الصغير لا محالة، ويقول رحمه الله (مإذا يساوى إنسان لا يزن الإنسان العظيم عنده شيئا؟ وإذا ضاع العظيم بين الناس فكيف لا يضيع بينهم الصغير)، ولله در أمير الشعراء أحمد شوقى فى قصيدته التى يمتدح فيه الأزهر الشريف ويشكر له قيمومته على التراث الإسلامى، الذى هو تراث إنسانى، لا تزال تنهل من حياضه عظائم العقول فى الشرق والغرب حتى يوم الناس هذا، ثم يحذرنا مما يسميه (عصابة مفتونة) تتنكر لكل ما هو قديم، حتى كادوا ينكرون آباءهم وأجدادهم لأنهم قدماء، وأنهم مغرمون بهدم القديم، وليس فى أيديهم جديد يقدمونه، وإذا أتوا بجديد فإنما هو الرثاثة والضحالة والثرثرة".

شيخ الأزهر: لم يعد الرسول للأسف مصدر التلقى والتوجيه لحياة المسلمين

ويستطرد "الطيب" فى كلمته: "إن احتفالنا اليوم بتكريم سيدنا محمد ﷺ هو احتفال بتكريم العظمة الإنسانية فى أعلى ذراها وذؤاباتها، فقد كان ﷺ عظيما فى مولده، عظيما فى حياته، وسياسته وإدارته، وحديثه وبلاغته، عظيمًا فى رئاسته وفى قيادته، عظيما وهو أب وزوج وسيد ورجل، ثم هو عظيم بالغ العظمة فى التاريخ، وقليل عليه ﷺ وعلى أمثاله من عظماء الإنسانية أن تفرد المجلدات الطوال لتاريخهم وسيرهم، وأن ينفق مئات المؤرخين أعمارهم فى تسجيل سيرهم الشريفة، وأن تحتفل الأمم بذكرى مولدهم، وتبقى كلمة توجبها أمانة النصيحة لعامة المسلمين وخاصتهم، وهى أن هذا النبى الذى وهب حياته الشريفة لنصرة الحق، وصبر على الإيذاء يوما بعد يوم سنين عددا، لم يعد للأسف البالغ هو مصدر التلقى والتوجيه لحياة المسلمين اليوم وقضاياهم ومعاركهم الكبرى مع الفقر والجهل والمرض والتخلف العلمى والثقافى، وقد جنت هذه الأمة من التـنـكر لهدى نبيها ﷺ ثمرات مرة، وهوانا يصعب احتماله والصبر عليه، وكان المأمول أن تكون ذكرى مولد نبيهم تجديدًا لخيرية هذه الأمة التى خاطبها القرآن الكريم بقوله ﴿كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر﴾ {3/110}.
 
وإذا كان المسلمون يخوضون اليوم معارك جديدة ومتنوعة من أجل التنمية والتقدم العلمى والتقنى والحضارى، بعد أن سحب البساط من تحت أقدامهم لصالح حضارات أخرى، وأصبح ميزان العلم والتقدم والقوة فى أيدى غيرهم، فأحرى بهم أن يتوقفوا طويلا عند ذكرى ميلاده ﷺ، يتأملون ويقتبسون من مشكاته مشاعل على طريق النهوض والعزيمة ومواصلة التحدى والصبر على الأزمات، فقد ترك لنا صاحب الذكرى العطرة ثروة هائلة من تعاليمه ووصاياه، ونماذج لا مثيل لها من أفعاله ومواقفه وسلوكه، وكان الظن أن نفيد من هذا الكنز الخلقى والعقدى فى معركتنا اليوم ضد العجز والتخلف، والتبعية والهوان، حتى أصبح الباحث المـتأمل الذى يقارن بين الميراث النبوى وبين حال المسلمين الآن، ينتابه ما يشبه دوار الرأس من هذا الانفصام بين ما تملكه هذه الأمة من مصادر القوة وأسباب التحضر والانطلاق، والواقع المتواضع، بل الشديد التواضع، والذى طال عليه الأمد وأصبح من أهم ملامح هذه الأمة وأبرز قسماتها. 

الطيب يهنئ الشعب المصرى.. ويشكر السيسى على اهتمامه بالشباب

ويواصل الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب كلمته: "لسنا، علم الله، من هواة تثبيط الهمم والبكاء على الأطلال، ولكنه الواقع الذى يصعب تجاهله أو غض الطرف عنه، وإلا فإننى والحمد لله مملوء أملا وثقة لا حدود لهما فى هذه الأمة، وأنها وإن أصابها الوهن والمرض، فإنها بإذنه تعالى لن تموت ولن تفنى، وستظل حاملة لشعلة الحق والخير، وستبقى (خير أمة أخرجت للناس) كما وصفها القرآن الكريم، والأمل بعد الله تعالى معقود على شباب أمتنا وشاباتها، ممن نقرأ فى عيونهم بشائر الأمل ومخايل العزم على الخروج بهذه الأمة من حالة السكون والركود، والتصميم على الانطلاق بها فى سباق الحضارات والرقى والتقدم، مستضيئين بالوحى المعصوم، وبهدى صاحب هذه الذكرى صلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوته من الأنبياء والمرسلين وعلى آلهم وصحبهم أجمعين".
 
ووجه شيخ الأزهر رسالة إلى رئيس الجمهورية، الرئيس عبد الفتاح السيسى، قائلا: "أشكركم على الاهتمام الخاص بشباب مصر، وأوصى نفسى وأوصى الجميع بأن يضعوا هذا الشباب نصب أعينهم، فهم ثروة مصر وكنزها الدفين، وباعث نهضة هذا الوطن المثقل بالهموم والآلام، لكنه مفعم بالآمال والثقة فى الله تعالى، وأختتم كلمتى بتهنئتى لكم سيادة الرئيس، وللشعب المصرى وشعوب الأمتين العربية والإسلامية، بذكرى المولد النبوى الشريف، سائلا المولى سبحانه أن يوفقكم لما فيه خير البلاد والعباد، وكل عام وأنتم جميعا بخير".
 
 






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة