وقف وحيدا على ضفاف النيل، كما اعتاد دائما، نفس المكان الذى شهد اعترافهما بالحب، ينظر للنهر الذى طالما كان شاهدا على حبهما، لكن مياه النهر لم تعكس صورتها، لم ترو قصتهما.
نعم لم تعترف مياه النهر بهذا الحب لأنها ليست المياه التى كانت تجرى بين ضفتى النهر عندما اعترفا بحبهما، لقد تغير النهر وجاءت مياه أخرى، حتى النهر لم يعد هو، بل هذا نهر ثانٍ، الأماكن كلها لم تعد نفس الأماكن التى شهدت حبهما، لماذا لم يتغير هو رغم أن خلايا جسده تغيرت آلاف المرات كما يقول علماء الطب؟، أين يسكن ذلك الحب فى جسده الواهن؟ النهر لم يعد نهرهما، والأماكن تغيرت بفعل الزمن، وجسده تغير مرات عديدة، فأين هذا الحب الذى قضى عليه؟.
إنه يسكن فى الروح التى لا تفنى ولا تتغير، هذه الروح التى ظلت وحدها تحمل هذا الحب، تتعذب به عندما تمر ذكرى الحبيب، عندما يُذكر اسمه، وحدها الروح تتألم.. تموت فى اليوم مئات المرات، تتشوق لروحه الطاهرة التى لم ترها منذ أزمان بعيدة، نزلت منه دمعة لامست مياه النهر، ذابت دمعته واختلطت بمياهه، دمعته تحمل جينات قصته فعرفتها مياه النهر جميعا فحكت بها، لقد سمع العاشق قصته من مياه النهر فابتسم، واعترفت خلايا جسده بقصتهما فقد انتقلت قصة حبه مع انتقال جيناته من خلية إلى أخرى، واعترفت الأماكن بهذا الحب فقد سمعتها من سابقتها، قصته لم تمت، قصته خالدة مع جزيئات المياه الخالدة، قصته خالدة مع الروح التى لا تتغير، قصته ستنقلها الأماكن،ستبقى قصته وحبه ما بقيت الحياة.