إن المتأمل فى حال البشر وصفاتهم يرى أشكالا وثقافات وعادات ونظم مختلفة، فالبعض يسكن فى الصحراء والبعض الآخر اتخذ المدن موطنا وآخرون فى قمم الجبال عاشوا وبعضهم فى سواحل البحار أقاموا. فلكل أمة هوية ولكل شعب تعريف ولكل مجتمع خصائصه العقلية والنفسية والاجتماعية التى تميزه وتعطى له طابعه الخاص بداية من بيئته إلى قوانينه إلى طباعه نهاية بأسس حياته.
ولكن السؤال هنا: هل هذه الخصائص المتضاربة وتلك الثقافات المغايرة يجب أن تؤدى إلى الاقتتال والخصومات أم تكون قنطرة عابرة للشعوب لمزيد من التعارف والتواصل؟، هل يجب أن تكون سببا لنتحارب أم سببا لنتعاون؟ هل يجب أن تعطى مبررا ليستعمر بعضا بعض أم ينبغى أن تصبح همزة الوصل لنبى حضارات وأمجاد نشارك فيها جميعا؟.
أعتقد أن الإجابة لا تحتاج منا كثير عناء؛ إذ المتطلع يجد فى طيات القرآن الكريم آية يستشف منها الغرض ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)، فالآية صريحة فى بيان الحكمة وإظهار العلة، فالاختلاف كان للتعارف والتنوع والتعاون؛ إذا فأى جريمة نراها اليوم من النزاعات التى تنشأ لمجرد الاختلاف فى الرأى أو التباين فى الفكر، لماذا كل هذه الحروب التى تعزو فى سببها الأول إلى اختلاف الاعتقادات والمبادئ والعادات؟ هل حقا هذه النزاعات سببها المباشر هو اختلاف الثقافات والأيدلوجيات؟ أم أنها النرجسية والعصبية كل لذاته وقبيلته ومعتقده؟.
ما نراه اليوم على الساحة من الصراعات هو نتاج مباشر لبعد الفهم والتواصل بين المتناحرين، فسوء الفهم والجهل وعدم معرفة عادات وثقافات الغير يجعل البعض يتخذ من القرارات والإجراءات ما يحمل معه التهديد للآخرين دون أن يشعر أو يقصد، ومن ثم تنشأ العداوات والحروب الطاحنة نتيجة أولية لذلك.
فالذى يحتقر غيره لشكله أو لفقره أو لدينه هو فى الحقيقة إنسان عنصرى يتبخر بما يملك ويتفاخر بما يعتقد، فالعنصرية ليست وليدة هذه الأيام، وإنما يمتد أثرها إلى أيام الجاهلية وعصر ما قبل الإسلام، فما قرأنه فى القصائد الشعرية من التعالى والاحتقار للقبائل بعضها لبعض لهو دليل ملموس على ذلك، والحروب التى أقيمت لأصغر وأهون الأسباب كان مرجعها الأول والأخير التعامى عن احترام وتقدير حياة الآخرين وطرق معاشهم والإسلام حينما أتى محا كل ذلك.
واللافت للنظر أن أخطر ما فى العنصرية ألا تقتصر على المال أو الجاه أو اللون بل تمتد لتصل إلى التصنيف الدينى، وأن تبنى القرارات والأحكام بناء على الاختلاف المذهبى وأن يصبح القتل والتنكيل مصير الإنسان الذى يختلف معك فى إيمانه وديانته.
إذن ما هو المقياس الذى يجب أن نقيس به؟ وما هو المعيار الذى يوقفنا على نتيجة مقنعة تهدى حيرتنا فى هذه القضية؟ والجواب تجده فى الجزء الثانى من نفس الآية (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، فهذا هو الترمومتر الذى به يتمايز البشر عند خالقهم، فليس بالمال ولا بالشكل ولا بالجاه يحق لأحد أن ينصب نفسه أميراً أو سلطاناً على البشر. فالتقوى هنا تعنى الخير الذى يقدمه المرء لغيره دون تمييز بين مؤمن بفكره أو مخالف له والخدمات التى يبذلها فى بناء مجتمعه وارتقاء أمته دون ظلم أو جور يوقعه على مجتمعات تخالفه فى الرأى أو العقيدة لم يصدر منها تجاهه أى عدوان أو أذى .
أرجو أن نكسر حواجز الخوف من المعرفة وأن نقترب من بعضنا أكثر، فالإنسان عدو ما يجهل والجهل يؤدى إلى ما نراه اليوم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة