عقار تاريخى
قصة هذا العقار الذى يقع بالجانب الأيسر لشارع المعز لدين الله الفاطمى، ويبعد خطوات قليلة عن شارع الأزهر، تعود لما كتبه عنه على باشا مبارك فى كتابه "الخطط التوفيقية الجديدة لمصر القاهرة ومُدُنها وبِلادها القَدِيمة والشَّهِيْرَة" حيث يصف فيه عقار الوكالة أو سوق العنبريين كما يطلق عليه، بأنه يمتد من مسجد السلطان الأشرف برسباى بشارع المعز لدين الله عند تلاقيه بشارع جوهر القائد والمبنى بتاريخ 1424م، وحتى مسجد الغورى بمنطقة الغورية، ويضم عددًا من الوكالات التجارية من بينها وكالة يعقوب بك التى تضم المئات من الدكاكين "الحوانيت"، ويضيف الوكالة لها بابان أحدهما بشارع الغورية والثانى بشارع المعز.
ووفقًا لما قاله شريف العجاتى المحامى وأحد ملاك العقار، فإنه حينما تم شق شارع الأزهر انقسمت الوكالة إلى جزأين أحدهما التربيعة القبلية وتقع اسفل مسجد الغورى، والتربيعة البحرية وتساوى ثلاثة أرباع المساحة وتبدأ من بداية شارع المعز حتى جامع الأشرف برسباى. ويضيف "العجاتى" قبل أن تصبح هذه الوكالة سوق ضخما يضم دكاكين بيع العنبر، كانت عبارة عن حبس نظاميا ضيقا تفوح منه رائحة نتنة يُسجن فيه أصحاب الجرائم والخارجون عن القانون، و"تشير المخطوطات النادرة التى تصف المكان إلى أن السلطان برقوق قال أثناء صعوده إلى جبل مجاور للسجن إذ ما توليت أمور السلطنة فسأحول هذا السجن إلى مكان بيع العنبر، وهو ما تحقق فيما بعد بحسب ما ورد فى كتاب على باشا مبارك.
وتوضح المخطوطات النادرة التى تعود احداها الى عام 1855 وفقا لحجة ملكية العقار التى تنسب إلى يعقوب بك صبرى، ُمدونة بخط الريشة، و الذى أوصى فيها على أنه قرر تقسيم الوكالة ليخصص لزوجته ربع الوكالة بإجمالى 235 مترا، فيما يخصص باقى المساحة الثلاثة أرباع الباقية والمقدرة بنحو 845 مترا لعدد من مساعديه أبرزهم خورشيد أفندى، وبكير أباظة.
وأكد يعقوب فى وصيته أيضا أن يذهب ريع "ربح" الحوانيت لبيوت الله مسجد السيدة نفسية، ومسجد السيدة زينب، ومسجد الإمام الحسين، والإمام الليثى، حيث أوصى بكيس من الفضة ترسل لكل مسجد كل فترة.
بوابة العقار على شارع المعز
لا يتوقف تراث العقار رقم 88 سابقا - 84 حاليا بشارع المعز لدين الله الفاطمى على وصية يعقوب بك صبرى، لكنها الحُجة الثانية الموجودة بدار المحفوظات المصرية من ناظر الوقف مصطفى رشدى – والد الفنانة فاطمة رشدى- ويعود تاريخها إلى عام 1931، حيث يتحدث فيها عن تاريخ الوقف والمصارف التى ينفق عليه دخله، وبعد وفاة ناظر الوقف قامت الفنانة فاطمة رشدى بإدارته وقتها، حيث تم عرض الوكالة للبيع فى مزاد من قبل الأوقاف وقامت فاطمة رشدى بمشاركة هانم الشمسى لشراء الوكالة، وأصبح الوقف ملكية شخصية لهما، ثم وصل عدد ملاك العقار فى تسعينيات القرن الماضى لنحو 30 مالك بعد توارث أقاربهما فى العقار، ووصل عدد المحلات بالعقار إلى نحو 441 محلا تُستغل أغلبها فى بيع العطور، والباقى فى بيع الأقمشة والحرف اليدوية، ومنتجات خان الخليلى.
بداية الصراع على العقار
فى عام 2005 شب حريق ضخم بأحد محلات بيع العطور بالعقار، واستمر الحريق الذى امتد إلى عدد من المحلات لنحو يومين كاملين حضرت فيه نحو 22 سيارة إطفاء فى محاولة للسيطرة على الحريق، وبحسب ما يضيف شريف العجاتى المحامى وأحد ملاك العقار فإن تعليمات أحد الوزراء المعنيين بالشارع وقتها كانت تشير إلى ضرورة هدم المحلات لإكمال خطة الحكومة فى تطوير الشارع من خلال الربط بين مسجدى الغورية والسلطان برسباى.
ويكمل بعد الحريق بأيام قليلة كان حى وسط القاهرة الجمالية قد أصدر قرار بهدم العقار، وأرجع القرار إلى الخطورة الداهمة التى يتسبب فيها العقار بسبب الانهيارات المتتالية وخطورته على الأرواح والممتلكات.
فسرت محكمة النقض فى العديد من أحكامها توصيف مصطلح الخطورة الداهمة بتحديد مدة من شهر إلى ثلاثة أشهر وأقصى مدة لها 6 أشهر تشير فيها التقارير الفنية إلى انهيار العقار خلال هذه المدة، وعلى الرغم من أن قرار الخطورة الداهمة صادر فى 2005 إلا أن العقار لم ينهار حتى الآن فى 2016.
تنبه ملاك العقار إلى قرار الهدم الإدارى الصادر من الحى، وتقدموا بالعديد من الطعون على هذا القرار أمام محكمة جنوب القاهرة التى قبلت الطعون، وشطبت جزء بسبب عدم استكمال المحامين لإجراءات القضية، فصدرت فى عام 2007 عدة أحكام منها المؤيد لقرار الهدم، ومنها ما عدل قرار الهدم إلى "تنكيس العقار"، استنادا إلى تقرير خبراء هندسيين تابعين لوزارة العدل والتى قالت "يستدعى إزالة الأدوار الأول والثانى فوق الأرضى مع تنكيس المحلات تنكسيا شاملا، ويعتبر هذا الحكم هو الأول بالتنكيس، وهو الحكم الذى اصبح ملزم لحى وسط القاهرة بتنفيذه.
ويضيف ناصر وردة أحد ملاك العقار: كمال صبرى أحد ملاك العقار، أقام دعوى أمام الدائرة 19 محكمة استئناف القاهرة لتأييد قرار الهدم، إلا أن المحكمة فى 2009 أيدت حكم التنكيس، وهو الحكم الثانى لتنكيس العقار.
فى عام 2010 بدأ بعض الملاك فى بيع أملاكهم بالعقار خوفًا من انهياره فتم بيع نحو 600 متر من إجمالى المساحة 845 مترًا، وهى الملكية الخاصة بنحو 23 مالكًا، ولم يتبق سوى سبعة من أصحاب العقار القدامى يملكون 106 محلات.
وبحسب وردة تمت عملية البيع سرا بين المشترى والـ23 مالكًا حتى يزول حق الشفعة فى الشراء، والذى يلزم الملاك الأصليين فى حالة رغبتهم فى بيع جزء من العقار فإنه يجب عليهم عرض هذه المساحة أولا على باقى الملاك حتى يتسنى لهم الشراء، فإن لم يرغبوا يتم عرضها خارجا للبيع، بحسب وردة، مضيفا إن المالك الجديد أقام دعوى مستعجلة فى 2012 أمام محكمة استئناف القاهرة للمطالبة بتنفيذ قرار الهدم 2005، إلا أن القاضى أيد قرار التنكيس وقال فى مسببات حكمه أن العقار صدر له قرار هدم فى 2005 بسبب خطورته الداهمة ولم ينهار حتى الآن فى 2012، وهو ما يعتبر الحكم الثالث للتنكيس الصادر للعقار.
وبحسب أحمد رفاعى أحد ملاك العقار والمستأجرين به أيضًا فى الفترة التى تلت هذا الحكم، قام الملاك الجدد بمحاولات تخريب العقار تارة ومحاولات للإقناع بالبيع بأسعار مميزة وتعويضات لكن هذه المحاولات فشلت فى إقناع الملاك السبعة القدامى بالخروج من المحلات.
معارك قانونية
ويكمل "رفاعى" فى عام 2013 تقدم الملاك السبعة القدامى للحى للحصول على رخصة تنكيس من خلال الصيغة التنفيذية للحكم الصادر فى 2007 بالتنكيس إلا ان الحى رفض بسبب وجود أحكام قضائية متناقضة حيث توجد احكام تؤيد الهدم وأخرى صادرة بالتنكيس وهو ما يستلزم العرض على محافظ القاهرة لاتخاذ قرار حيال القضية، وهو ما دفع مسئولى محافظة القاهرة فى 9- 7- 2014 إلى عرض القضية برمتها على هيئة قضايا الدولة للفصل بين الاحكام المتناقضة وعرضها على قاضى التنفيذ للفصل أيضا فى هذه الاحكام.
وعلى الرغم من القرار السابق للمحافظة، وعدم فصل كل من هيئة قضايا الدولة وقاضى التنفيذ فى القضية حتى الآن، إلا أن المهندس جلال السعيد المحافظ السابق للقاهرة أصدر مذكرة فى 9 ديسمبر 2015 تتضمن قرار بهدم العقار حتى سطح الأرض.
لم تتوقف المعارك القانونية بحسب "العجاتى" عند هذا الحد، حيث قدم الملاك القدامى طعونًا لمجلس الدولة ضد كل من رئيس حى الجمالية وقرار نائب المحافظ للمنطقة الغربية للمطالبة بتنفيذ حكم التنكيس، وإشكالات اخرى لإيقاف قرار الهدم وإخلاء العقار.
ويضيف، أن مسئولين شركتى الكهرباء والمياه فصلوا التيار الكهربائى والمياه عن العقار، على الرغم من أن القضاء لم يفصل حتى الآن فى القضية، موضحًا أن هؤلاء المسئولين تراجعوا عن هذا الآمر بعد أن إنذرهم ملاك العقار القدامى.
النيابة الإدارية تنتصر
ويكمل من بين المعارك التى خاضها ملاك العقار القدامى هو التقدم بشكوى لهيئة النيابة الإدارية رقم قضية 786 لسنة 2015 نيابة الإدارة المحلية القسم الأول، ضد رئيس حى وسط القاهرة لإصداره قرار بإزالة العقار حتى سطح الأرض رقم 14 لسنة 2005 ومحاولة المختصين بالحى تنفيذ القرار رغم صدور حكم قضائى، بأن تكون الإزالة للأدوار العليا فقط على أن يتم تنكيس الدور الأرضى.
وبحسب البيان الصادر من رئاسة هيئة النيابة الإدارية فى القضية رقم 1 لسنة 2016 رئاسة الهيئة، والمتعلقة بتضرر شاغلى العقار من عدم اتخاذ المختصين بحى وسط القاهرة بالإجراءات المقررة قانوناً حيال ما يقوم أحد ملاك العقار المذكور من أعمال هدم للعقار رغم وجود منازعات قضائية منظورة أمام القضاء بشأن ذلك العقار، فإن المستشار على رزق رئيس هيئة النيابة الإدارية طالب بتسجيل العقار محل التحقيق كأثر واتخاذ الإجراءات اللازمة للمحافظة عليه وفقاً لأحكام القانون وترميم الأجزاء المعمارية التى تتطلب ذلك مع الاستعانة بالوثائق الخاصة بالعقار، وتنكيس الأجزاء المعمارية التى بها خطورة على المبنى والمارة، والتى تحتوى على شروخ وتصدعات ناتجة عن آثار الحريق الذى تعرض له العقار عام 2005.
وانتهت النيابة الإدارية بإخطار وزير الآثار محافظ القاهرة، بصورة من مذكرة النيابة مع توصية محافظة القاهرة باتخاذ الإجراءات المقررة قانوناً لحماية الأفراد والممتلكات لشاغلى العقار.
وقال البيان، إن المستشار سعد خليل عضو المكتب الفنى لرئيس الهيئة، قد باشر التحقيقات فى الواقعة السالفة بعد تشكيل لجنة لمعانيه العقار، والتى انتهت إلى أنه طبقاً للوثائق الخاصة بالعقار المذكور فإنه يعد قيمة أثرية معمارية - فى حد ذاته، لأنه عبارة عن وكالة تعود حجة ملكيته لعام 1273ه/1855م، وكون العقار به أجزاءً متهدمة لا ينفى كونه أثريًا.
محاولات لقديمة هدم العقار
العقار من الداخل
بوابة العقار 88 شارع المعز
بوابة العقار على شارع المعز
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة