محمد محمود حبيب يكتب: مواجهة الإرهاب تبدأ من هنا

إن أخطر الاحتمالات الأمنية لواضع القنابل فى الأماكن المستهدفة هى أن يكون مرتكبها شخص منفرد، جاء من أى مكان، كُلف من أى شخص غامض، وانتهى الأمر، ونحن مازلنا نتساءل: هل هذا الذى جرى هو نتيجة لتحريض سافر أو مستتر، هل هو ناتج عن تشجيع بالصمت؟.

والمتهم الأول فى كل الأعمال الإرهابية هو الفكر المتطرف، حيث إن التطرف يسيطر على النفس الإنسانية حينما تخرج عن الاعتدال والوسطية إلى فكر التخلص من الآخر أو إنهائه رغبة فى سيادة فكره ورؤيته. ومنذ ذلك التاريخ ونحن نشهد كيف أن الفكر المتطرف كان سبباً للكثير من الفتن والاضطرابات التى تهدم بنيانه الاجتماعى وتنـزع عنه وحدته المتماسكة وتجعله يعيش فى جو من الفتن والقلاقل.

وللقضاء على انتشار الفكر المتطرف لابد من اقتلاع جذوره، فما زال بعض المتشددين يفتى حتى الآن بجواز العمليات الاستشهادية ضد ضباط الشرطة والجيش مستدلاً بنصوص شرعية ثابتة من وجهة نظره العقيمة والضيقة، لأنهم لا يطبقون شرع الله ويعتبرهم كفارا، كما يزعم!!، بل ويعتقد بتحريم تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، وكذلك تحريم إلقاء السلام عليهم فضلا عن تكفيرهم !!

وبرغم انفتاح العالم.. واتساع المعرفة. لكن ذهنية التطرف الضيّقة تريد أن تحبسنا فى سجنها، وأن نعيش الظلام، وأن نرتوى مثلها من الحقد كل ساعة إلى أن تحين الساعة... وهؤلاء الإرهابيون برغم جرمهم هم ضحايا.. لأن عقولهم أصبحت متاحة لأى عصف.

فالتطرف ليس قدراً كالموت يدرك الناس ولو كانوا فى بروج مشيّدة، فاعتناق الأفكار المتطرفة والإيمان بها هى أساس الإرهاب، فيجب أن نؤمن بأن القضاء على الفكر الرجعى المتطرف والمخالف لكل الأديان والمقتنع باستحلال دماء المخالف فى العقيدة هو صلب المواجهة للقضاء على الإرهاب.

والغريب أن الإرهابى يكون واثق من عقيدة وكما يقول المفكر العالمى برتراند راسل: "مشكلة العالم أن الحمقى والمتعصبين واثقون من أنفسهم دائما.. لكن أحكم الناس هم المترددون "..

وهذه حقيقة، فمما لا شك فيه أن الإرهابى أو الإرهابية قد ذهب إلى مقر الكنيسة البطرسية واثقاً من أنه يقطع الطريق إلى الجنة .. بينما كنا لزمن طويل مترددين فى أن نتخذ الإجراءات الواجبة لمنع تحول هذا الشخص إلى انتحارى، أو قصرنا فى منع وصول الأفكار المتطرفة له.

وبرغم صمود مصر أمام أنواء مختلفة شهدتها المنطقة فى السنين الماضية لكن الساعين إلى إضعافها ومنعها من الانطلاق لديهم هدف حقيقى لا يتوانون ولا تنقطع مثابرتهم عن متابعته .. فبعضهم من دول معادية وتنظيمات إرهابية يؤجج التطرف، وبعضهم يُحرض الخلايا، وبعضهم يدفع الأموال وغيرهم ممن يعملون فى صمت بلا تحذير ولا تنبيه.

وأخيراً فليس علينا أن نحارب كل هذه التنظيمات والدول لأن المواجهة الصريحة سوف تكون نوعا من الجنون والانتحار. ولكن علينا أن نسد ثغرات جدارنا الفكرى فيكون محصنا من أى اختراق.. وأن نشيد جدارات التنوير حول عقول أبنائنا.. فلا يكونون لقمة سائغة فى يد التطرف، ومن ثم فى قبضة الإرهاب.

فلابد من وقفة حاسمة وشديدة لمنع الصفحات والمواقع والقنوات والكتب التى تنشر الفكر المتطرف داخل البلاد فهى أساس وجذر العمليات الإرهابية، وبدون اقتلاع هذه النبتة السيئة فلن تؤتى أى جهود لنشر الدين المعتدل ثمارها، فلابد من التنظيف والتصفية أولاً قبل البناء.

وعلينا استثمار الضارة حتى تكون نافعة ولكى لا تكون راجعة ..حفظ الله مصر وشعبها وكل مُحب لها..