أعتقد أننى والجميع لاحظنا حجم الأسف فى كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسي فى مؤتمر الشباب عندما ألمح سيادته إلى علاقاتنا ببعض الدول الشقيقة، ولا يخفى على أحد أنه كان يقصد بعض دول الخليج وأستطيع أن أقول بكل صراحة إننى أشارك الرئيس فى الأسف والحزن تجاه المواقف الغريبة غير المبررة بأى شكل من الأشكال، سواء فى مضمونها أو فى توقيتها من دول الخليج الشقيقة، وعلى رأسها السعودية.
بداية من استضافة أحد القنوات الفضائية السعودية لأردوغان وتعديه السافر على القيادة المصرية خلال كلماته، مرورًا بتصريحات ممثل المملكة فى الأمم المتحدة والتى تعد خروجًا عن الخط والخطاب الدبلوماسى الطبيعى بين البلدين، وإلى الأسوأ فى تصريحات إياد مدنى المقصودة وغير المهذبة وغير المسئولة تجاه رئيس أكبر دولة عربية وإسلامية قوة ووزنا وتاريخا، وقبلها مخالفة الخط القومى العربى فى القضية السورية، وقد توجتها أخيرًا بوقف إمداد مصر بالنفط فى وقت حرج يحاول فيه الاقتصاد المصرى العبور من أزمته الحالية بسلام وتهديدات صحفيين وسياسيين سعوديين بترحيل العمالة المصرية، ووقف أى مساعدات وغيرها من الأمور التى لا مجال لسردها كاملة هنا.
الغريب فى الأمر أن بعض دول الخليج وفى مقدمتها المملكة العربية السعودية يضيعون الوقت فى رهانات عجيبة فى مناوشات مع مصر ومحاولات الضغط عليها، لإتباع سياسات بعينها تحتفظ مصر فيها بوجهات نظر مغايرة نوعًا ما، انطلاقًا من حرصها على الأمن القومى العربى "التاريخى"، ويغضون الطرف عن الحصار الذى بات الخليج قاب قوسين أو أدنى منه فى الشرق الإيرانى وفى اليمن والعراق ولبنان، ومن تنظيم داعش فى الشمال لماذا لا يرون أطراف الكماشة وهى تطبق أسنانها على الخليج، والبوابة الغربية لهم فى مصر هى الملاذ والحصن الحصين المتبقى لهم بل وللأمة العربية بعد الله تعالى الآن، ولا يدركون حجم الخطر المحيق بالأمة العربية من المحيط إلى الخليج الآن والذى يستدعى تكاتف القوى المؤثرة فى المنطقة بدلاً من تباعدها ، وخاصة المملكة العربية السعودية مع مصر فى وقت تبتعد دول المغرب العربى عن أى تفاعل يخص القضايا العربية الآن.
وما زالت صدى كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي "مسافة السكة" فى أذنى، والتى أعلن بها موقف مصر الحاسم من أمن الخليج العربى واعتباره جزءًا من الامن القومى المصرى وكلنا يعلم مدى خطورة هذا الالتزام وأبعاده الاستراتيجية التى تعد ثابتًا راسخًا فى الفكر الجمعى الاستراتيجى المصرى فلم تمنع الأزمات العنيفة والمؤامرات التى مرت وتمر بها مصر من إعلانها انه لا تراجع فى عقيدتها عن حماية الأمن القومى العربى مهما كانت الظروف.
وكم كنت أتمنى أن أسمع من دول الخليج الآن بالذات كلمة "مسافة السكة يا مصر" فى وقت تحتاج فيه مصر لأشقائها، كما يحتاج أشقاؤها لها، وكنت أتمنى أن أسمع كلمة لبيك مصر الآن من إخواننا فى الخليج بدلاً من عمليات الشد والجذب غير المبررة وغير المنطقية بالمرة فى هذا الوقت الحرج الذى لا يحتمل مثل هذه التصرفات العجيبة، لا ننكر أبدًا وقوف أشقائنا فى الخليج معنا ولكن كل ذلك كان بعضًا مما قدمته مصر ولم ولن يكون أبدًا مكافأة.
وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين، مصر يا سادة هى التى أرسلت الإغاثات قبل عصور البترول مصر التى أرسلت المعلم والقلم والكراسة والكتاب مصر ، وهى التى دفعت من دماء أبنائها مئات آلالاف من الشهداء دفاعًا عن الأمة ومن اقتصادها ومواردها ما كان سيغير وجه الواقع الآن لو فضلت مصالحها الخاصة، مصر قائدة التحرر العربى، مصر منارة المعرفة والفن والعلم والثقافة التى تربى عليها الجميع من المحيط إلى الخليج، ومصر التى تقف حائط صد منيع أمامكم فى وجه خصومكم هى ذاك المارد الذى يعمل له الجميع حولكم ألف حساب، كل لحظة تمر والوطن العربى فى آمان فهو مدين لمصر بها كل لحظة يمتنع المتربصون عن النيل منكم فأنتم مدينون لمصر بها كل محاولة فاشلة لبسط خصومكم نفوذهم عليكم أنتم مدينون لمصر بها، الردع الذى تحققه مصر لخصوم الوطن العربى هو دين يومى لكل أفراد ودول هذا الوطن، وأنا أدرك إن شعوب دول الخليج تعى ذلك تمامًا وتحمل كل الحب والتقدير لمصر، كما نحمل نحن لشعوب الخليج وكل شعوب الوطن العربى كل الحب والتقدير، ونحن لا نعاير أحدًا كما عايرنا ولكن فقط وجب أن نرد على من أساء ونذكر من نسى.
من حق مصر أن يكون لها وجهة نظر مختلفة والموقف العربى لا يحتاج لعملية فرض الرأى بالقوة أو بالضغوط ولكن يظل الأختلاف قيد التحاور والتشاور للوصول إلى حلول وسط ودون تحويله إلى خلط بين ماهو من ضرورات الحفاظ على الأمن القومى العربى وبين تحقيق أهداف سياسية ضيقة.
فلماذا تدفعون مصر دفعًا، أكرر دفعًا، لتغير من خريطة تحالفاتها الاستراتيجية وكأن هناك من يريد فك الترابط المصرى الخليجى ويسعى إليه بأى ثمن.
اعتقد ورغم كل هذه التناوشات أن الفرصة ما زالت قائمة لإعادة الأمور إلى مجراها الصحيح والطبيعى وأدعو قادة الخليج بكل ما فى الأخوة العربية من محبة مراجعة أنفسهم تجاه مواقفهم نحو مصر التى كانت وستظل هى الشقيقة الكبرى لهم حتى لا نعطى فرصة للمتربصين أن ينالوا من وحدتنا وصفنا العربى، المتبقى.