"لكل مواطن الحق فى العلاج" عبارة أجمعت عليها كل دساتير العالم فالحق فى العلاج يوازى الحياة نفسها ولذلك تأتى جريمة امتناع طبيب عن أداء وظيفته من أخطر الجرائم التى يتعرض لها مجتمعنا فى الفترة الحالية.
واقعتان يفصل بينهما شهر واحد تمثل حجم المأساة التى نتعرض لها فى طلب أحد الحقوق الأساسية التى كفلها الدستور وشدد جميع الفقهاء على وجوبها وهو توفير العلاج للمرضى.
الواقعة الأولى تجلت بشدة فى 28 أغسطس الماضى داخل دار القضاء العالى وذلك بعدما خان طبيب قسمه ورفض الكشف على أحد المحامين مما أدى إلى وفاته متأثرا بأزمة قلبية حيث أصيب المحامى عطية مبروك بوعكة صحية وامتنع الطبيب المناوب بدار القضاء عن أداء واجبه بإجراء الكشف على المحامى معللا ذلك بأنه طبيب القضاة فقط مما أدى إلى وفاته.
الواقعة الثانية فى 3 أكتوبر الجارى عندما رفض طبيب بالدقهلية استقبال سيدة تعانى من آلام الولادة مما تسبب فى وفاة التوأم عقب ولادتها بالشارع، حيث توجهت نسمة عطا عبد القادر، ٢٨ سنة من قرية العوضية مركز شربين، إلى طبيب بعيادة خاصة بقرية الأحمدية بعد شعورها بآلام الولادة ولكن الطبيب رفض استقبالها بحجة أنه نائم وعليها العودة فى الصباح مما تسبب فى وفاة التوأم عقب ولادتها داخل سيارة أمام العيادة وتم نقلها إلى مستشفى شربين وحالتها حرجة.
وبالرغم من غياب تشريع قانونى واضح فى قانون العقوبات المصرى يسمح بمحاسبة الطبيب لمخالفته آداب مهنته أو لامتناعه عن علاج مريض إلا أن ذلك يمثل جريمة مكتملة الأركان تستوجب المسئولية الجنائية ويتمثل الركن المادى فى فعل الامتناع عن استقبال المريض أو امتناع الطبيب عن علاجه أو مساعدته بشرط أن يكون المريض فى حالة خطر حقيقى وثابت، ويتطلب تدخلا مباشرا من الطبيب، فعليه تقديم الرعاية المطلوبة بغض النظر عن النتيجة والركن المعنوى لهذه الجريمة أن يكون الامتناع عمديا بمعنى أن يعلم الطبيب بالخطر ويمتنع بإرادته عن تقديم المساعدة.
وأكد مصدر قضائى أنه لا يمكن محاسبة الطبيب جنائيا إلا لو اشترك فى فعل أدى إلى جريمة خاضعة لقانون العقوبات ولا يمكن محاسبته عن الامتناع إلا تأديبيا داعيا المشرع بالتدخل لوضع نص خاص يقضى بمعاقبة الطبيب الذى يمتنع عن علاج المريض أو مساعدته وهو يعلم أنه فى حالة خطر حال وحقيقى وثابت، أو امتناع المستشفى عن استقبال المرضى فى حالة خطر مع إلزام نقابة الأطباء بمعاقبته عن امتناعه من أداء واجبه فى إنقاذ مريض فى حالة خطر حالٍ وحقيقى.
وينص قانون آداب المهنة للأطباء على عدة واجبات من الطبيب نحو المجتمع فأكدت المادة 2 منه يلتزم الطبيب فى موقع عمله الوظيفى أو الخاص بأن يكون عمله خالصاً لمرضاة الله وخدمة المجتمع الذى يعيش فيه بكل إمكانياته وطاقاته فى ظروف السلم والحرب وفى جميع الأحوال.
وجاءت المادة 3 لتؤكد على الطبيب أن يكون قدوة حسنة فى المجتمع بالالتزام بالمبادئ والمثل العليا، أميناً على حقوق المواطنين فى الحصول على الرعاية الصحية الواجبة، منزهاً عن الاستغلال بجميع صوره لمرضاه أو زملائه أو تلاميذه.
وفى المادة 20 من قانون آداب المهنة نصت أنه على الطبيب أن يبذل كل ما فى وسعه لعلاج مرضاه وأن يعمل على تخفيف آلامهم وأن يحسن معاملتهم وأن يساوى بينهم فى الرعاية دون تمييز والمادة 24 أكدت أن الحالات غير العاجلة يجوز للطبيب الاعتذار عن علاج أى مريض ابتداءً أو فى أى مرحلة لأسباب شخصية أو متعلقة بالمهنة أما فى الحالات العاجلة فلا يجوز للطبيب الاعتذار.
وأشار الدكتور طارق كامل، رئيس لجنة التحقيق بالنقابة العامة للأطباء فيما يتعلق بطبيب دار القضاء أنه سيتم التحقيق مع الطبيب وبناء ما سيقوله من قبل الطبيب، سيتم تحديد إن كان يتم إحالته للجنة التأديب أم يتم حفظ التحقيق مؤكدا أنه فى حال ثبوت خطئه سيتم إحالته لهيئة التأديب المشكلة من عضوين من النقابة ومستشار من مجلس الدولة، حيث تبدأ العقوبات من اللوم والتنبيه وغرامة ألف جنيه، وتصل إلى إيقاف مؤقت عن العمل لمدة سنة، أو الشطب من النقابة، طبقا لقانون النقابة نفسها.
وأنه فى حال إثبات إدانة الطبيب المشكو فى حقه فى لجنة التأديب، يتم إحالته لهيئة التأديب الاستئنافية، والتى مقرها بمحكمة استئناف القاهرة، والمشكلة من 3 مستشارين و2 أطباء أحدهم من مجلس النقابة، والآخر يختاره الطبيب نفسه، وهى قراراتها نهائية.
ومن جانبه أكد مصدر قضائى بالنيابة الإدارية أنه يحق لهم فقط محاسبة الطبيب بالامتناع عن علاج مريض أو رفض حالة إذا كان يعمل فى منشأة حكومية –مستشفى عام- حيث تتم محاسبته تأديبيا ويحال للمحاكمة التأديبية بتهمة التقصير ومخالفة آداب المهنة ويعاقب طبقا لقرار المحكمة التـأديبية بالجزاءات المقررة قانونا بصفته موظف عام والتى تبدأ بالتحذير والخصم وتنتهى بالفصل.
كما تتم محاسبة جميع القائمين على المستشفى فى تلك الحالة لمخالفتهم آداب وقواعد مهنتهم مثل مدير المستشفى التى رفضت الحالة وصولا إلى أعلى درجة وظيفية إذا اقتضى الأمر.
وأشار المصدر أن المشكلة تنحصر فى العيادات الخاصة حيث إنه لا تسرى عليها أحكام الجزاءات التأديبية ولا يمكن محاسبة الطبيب من قبل النيابة الإدارية ويكون خارج سلطاتها طبقا للقانون ويمكن فقط محاسبته جنائيا إذا اندرج تحت طائلة قانون العقوبات.
وأكمل المصدر أن النيابة الإدارية تتمنى لو يتم تعديل القانون ليمكنهم من محاسبة أصحاب العيادات الخاصة ليكونوا رادعا لهم من ممارسة مثل تلك الجرائم الإنسانية والأخلاقية.