يوسف أيوب يكتب: كيف فشل الرهان على غياب مصر إقليميا؟..القاهرة قادت تحركات دولية لإيصال المساعدات الإنسانية فى سوريا..دعمت العراق بعيدا عن شعارات الطائفية.. وأيدت الحل السياسى باليمن وخيارات اللبنانيين

الخميس، 24 نوفمبر 2016 02:09 م
يوسف أيوب يكتب: كيف فشل الرهان على غياب مصر إقليميا؟..القاهرة قادت تحركات دولية لإيصال المساعدات الإنسانية فى سوريا..دعمت العراق بعيدا عن شعارات الطائفية.. وأيدت الحل السياسى باليمن وخيارات اللبنانيين الرئيس السيسي نجح فى خلق توافق عربى فى العديد من الملفات

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يوسف أيوب

راهنت قوى إقليمية على انغلاق مصر على مشاكلها وأزماتها الداخلية، وتحديدًا الاقتصادية، واعتبروا أن القاهرة ستكون بعيدة عن أى تأثير إقليمى، ولم ينظر هؤلاء للتحركات المصرية الناجحة والمحسوبة بعد ثورة 30 يونيو، والتى كان من نتاجها حصول مصر على العضوية غير الدائمة بمجلس الأمن الدولى، وعضوية مجلس السلم والأمن الأفريقى، وتحركات مصرية فى إطار إقليمها العربى، وبعدها الأفريقى.

 

قد تعانى مصر من أزمات داخلية، لكنها أبداً لن تثنيها عن القيام بدورها الطبيعى فى إحلال الاستقرار والسلام بالمنطقة، وفقًا للمفهوم المصرى العتيد للأمن القومى العربى، الذى لا يعتمد على شخصنة القضايا، وإنما يحكمه إطار عام يتوافق عليه الجميع، لذلك لم يكن غريبًا أن ما تطرحه مصر من حلول ومقترحات لأزمات المنطقة المشتعلة يلقى قبولاً من الكثيرين، حتى من يتحفظون أو يرفضون يعودون فى نهاية الأمر إلى تبنى ما طرحته مصر، والسبب كما قلت، إن مصر لا تهدف إلى تحقيق مصالح شخصية بقدر حرصها الشديد للحفاظ على الأمن القومى العربى.

 

الحل السياسى فى سوريا هو الأساس

 

منذ بداية الأزمة والموقف المصرى واضح، وهو أن الحل السياسى الوحيد القادر على إنهاء الأزمة، لأن المنطقة لن تستطيع تحمل تكلفة الحلول العسكرية فى سوريا، وسعت القاهرة إلى ترتيب لقاءات مع المعارضة السورية السلمية، واستضافت بعضها وطرحت مجموعة من الحلول، ولكن للأسف الشديد كانت هناك قوى إقليمية ودولية تريد أخذ الملف السورى إلى طريق آخر، وهو ما عطل كل المساعى السلمية للحل، حتى تلك التى تبنتها الأمم المتحدة، ورعتها روسيا والولايات المتحدة، فالغطاء السياسى غاب عن كل هذه التحركات لسبب بسيط أن هناك من لا يزال يعتقد أن السلاح هو القادر على إزاحة بشار الأسد.

 

وسط هذه الغوغائية الدولية والإقليمية باتت سوريا على شفا كارثة إنسانية، وهنا عادت مصر مرة أخرى إلى الصورة، مستغلة علاقاتها مع كل أطراف الأزمة، سواء فى الداخل السورى، مع النظام والمعارضة السلمية، ومع كل الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة فى الملف السورى، وطرحت أفكارا للخروج من المأزق الإنسانى فى سوريا، وعملت مصر على توصيل رسائل واضحة بين الأمم المتحدة والنظام السورى، كادت أن ينتج عنها اتفاق واضح لدخول المساعدات الإنسانية، خاصة بعد موافقة النظام السورى، لولا أن التفاهم الروسى الأمريكى الأخير حول الهدنة لم يصمد كثيرًا بما يسمح للأمم المتحدة بأن تنشر عناصرها فى حلب وبقية المدن السورية.

 

وأعلنت الخارجية المصرية هذا الأمر فى بيان لها فى 20 أكتوبر الماضى، قالت فيه إن القاهرة تقوم بمساعى وساطة من خلال البعثة المصرية فى دمشق، للتنسيق بين أجهزة الأمم المتحدة العاملة فى دمشق والسلطات السورية، للإشراف على عمليات إجلاء الجرحى وكبار السن، والتوسط لإدخال المساعدات الإنسانية للمناطق المنكوبة فى حلب، وقال المستشار أحمد أبو زيد، المتحدث باسم الخارجية، فى بيانه وقتها، إن هذا الجهد يأتى فى سياق التزام مصر بمعالجة الوضع الإنسانى فى حلب، وتخفيف معاناة أهلها، وأنه يمثل أحد عناصر الرؤية المصرية المتكاملة للتعامل مع الأزمة السورية التى تجمع بين التحركات العاجلة لتخفيف وطأة المعاناة الإنسانية لأبناء الشعب السورى، ومحاولة التوصل لوقف شامل لإطلاق النار فى كل مناطق سوريا، وبين العمل على استئناف المفاوضات السياسية للتوصل لحل سياسى يحقق طموحات الشعب السورى المشروعة، ويحافظ فى الوقت نفسه على وحدة سوريا وسلامة إقليمها ومؤسساتها، ويجنبها مخاطر التحول إلى بؤرة لعمل المنظمات الإرهابية.

 

وأشار البيان ذاته إلى أن السفارة المصرية فى دمشق تلقت موافقة الحكومة السورية على المسعى المصرى، وكان من المفترض أن يتواجد القائم بالأعمال المصرى فى دمشق، المستشار محمد ثروت سليم، فى حلب للإشراف على عمليات إجلاء الجرحى وكبار السن، لكن عدم صمود الهدنة أجّل الأمر إلى حين التوصل لاتفاق آخر.

 

الاتفاق الآخر الآن تتحرك له مصر فى مجلس الأمن، وفقًا لمشروع قرار طرحته مصر وإسبانيا ونيوزيلندا، أعضاء المجلس غير الدائمين، يخص الجانب الإنسانى ويحمل فى طياته معانى سياسية قد تفضى إلى حل للأزمة حال توافق الفاعلين فى الأزمة السورية عليه.

 

التحرك المصرى فى مجلس الأمن وصل حاليًا إلى مرحلة متقدمة، خاصة بعد الحصول على موافقة غالبية أعضاء المجلس على مشروع القرار، الذى يقضى بفرض هدنة يتم خلالها تمرير المساعدات الإنسانية، ويدور النقاش حاليًا فى أروقة المجلس حول مد هذه الهدنة، ففى حين طرح مشروع القرار هدنة لعشرة أيام، اقترحت الولايات المتحدة زيادتها إلى 20 يومًا.

 

ميزة التحركات المصرية فى الملف السورى أنها تنطلق من هدف أساسى، وهو ضرورة الحفاظ على الدولة السورية، وحياة السوريين، لذلك فهى لم تتبن موقفاً معادياً لكافة أطياف الشعب السورى، بل إنها فتحت قنوات اتصال وتواصل مع الجميع، نظام ومعارضة، باستثناء المعارضة المسلحة، خاصة جبهة النصرة، أحد أفرع تنظيم القاعدة الإرهابى، والجيش السورى الحر، كما حافظت مصر على مسافة متقاربة فى التعامل مع كافة الفاعلين الدوليين والإقليميين داخل الوضع السورى، ولم تقطع اتصالاً مع أحد، إلا تركيا بطبيعة الحال، لأن الأخيرة اتخذت مواقف عدائية ضد مصر فى أعقاب ثورة 30 يونيو، ولكن بخلاف ذلك فهناك حوار مستمر مع السعودية والولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبقية الأطراف بما فيهم إيران، من خلال لقاءات تمت بين وزيرى خارجية مصر وإيران فى مناسبات دولية، كان آخرها لقائهما على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك سبتمبر الماضى.

 

دعم الحكومة العراقية بعيداً عن الثنائية الطائفية

 

المشهد العراقى معقد بسبب الطبيعة الطائفية التى تسيطر عليه، والتى كانت سببًا فى وجود خلافات واضطرابات بين بغداد وجيران عرب، ومن بينهم السعودية، لكن جاءت الرؤية المصرية مختلفة حيث نظرت للحكومة العراقية، ذات الأغلبية الشيعية، باعتبارها معبرة عن الدولة العراقية، ولا تحكمها أية توجهات أخرى، وإذا كانت إيران لاعباً قوياً فى الداخل العراقى، فذلك بسبب الغياب العربى، وأنه من الضرورى أن يكثف العرب تواجدهم فى العراق لحمايته من الهيمنة الإيرانية، انطلاقاً أيضاً من أهمية العراق كعامل مهم ورئيسى فى الحفاظ على الأمن القومى العربى.

 

مصر منذ البداية أعلنت تأييدها لكل التحركات التى تقوم بها الحكومة العراقية لمواجهة الغرب، وآخرها الحرب الدائرة حالياً فى الموصل، كما وقفت مصر مع بغداد فى مواجهة الأطماع التركية، وأعلنت القاهرة دعم السيادة العراقية، ورفض أى تدخلات خارجية تنتقص من سيادة العراق على أراضيه، وربما كان الموقف المصرى الأكثر وضوحاً بين الدول العربية، خاصة أن عدداً من هذه الدول ترتبط بعلاقات قوية مع تركيا، جعلتها تقدم تركيا على المصلحة العربية العليا.

 

وبجانب الدعم السياسى، فإن القاهرة حرصت منذ اللحظة الأولى على بناء علاقات ثنائية قوية، لها طابع سياسى واقتصادى وعسكرى، من خلال الاتفاق على مشروعات مشتركة، وزيارات ثنائية متبادلة بين القاهرة وببغداد.

 

السياسة يجب أن تأخذ طريقها فى اليمن

 

لا تزال مصر الداعم القوى للشرعية فى اليمن، ورفض تحركات الحوثيين ومجموعة على عبد الله صالح، وكانت مصر من أول المرحبين بالتحالف العربى لدعم الشرعية فى اليمن، لكنها منذ البداية رأت أن الحل السياسى ربما يكون الطريق الأفضل، خاصة أن المواجهات العسكرية قد يكون لها تأثيرات سلبية على الإقليم، فى ظل انخراط قوى إقليمية أخرى فى الوضع باليمن، وتحديداً الدعم الإيرانى للحوثيين، وهو ما قد يحول المواجهة فى اليمن إلى حرب طائفية بين الشيعة والسنة، لكن استمر التحالف العربى بقيادة المملكة العربية السعودية فى عملياته العسكرية التى وفقاً للتقديرات كلفت الرياض قرابة الـ200 مليار دولار حتى الآن، وهو ما أثر على موازنة المملكة.

 

دعم لكل جهد يستهدف تجاوز الأزمة السياسية فى لبنان

 

فى 17 أغسطس الماضى زار سامح شكرى وزير الخارجية العاصمة اللبنانية بيروت، وعقد لقاءات مكثفة مع القيادات والرموز السياسية اللبنانية، للاستماع لأفكارها، لكن كان الأبرز فى هذه الزيارة مائدة العشاء التى نظمها شكرى فى بيروت بحضور الرئيس العماد ميشال سليمان، رئيس الجمهورية اللبنانية السابق، والرئيس أمين الجميل رئيس الجمهورية اللبنانية الأسبق، وفؤاد السنيورة رئيس الوزراء الأسبق، والوزير على حسن خليل وزير المال ممثلاً للرئيس نبيه برى، والعماد ميشال عون رئيس تكتل التغيير والإصلاح، والدكتور سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية، والوزير جبران باسيل وزير الخارجية، والوزير ريمون عريجى وزير الثقافة ممثلاً للوزير سليمان فرنجية، بشكل جمع كل الفرقاء اللبنانين على طاولة واحدة، ما مهد لحوار ربما يكون كان له تأثير فى النتيجة التى انتهى إليها اللبنانيون مؤخراً بالتوافق على ميشال سليمان رئيساً للبنان، وإنهاء حالة الفراغ الرئاسى التى عانى منه قصر بعبدا لعامين ونصف.

 

والأسبوع الماضى زار شكرى بيروت مرة أخرى، كأول وزير خارجية عربى يحل ضيفاً على لبنان بعد انتخاب ميشال عون رئيساً، وتكليف سعد الحريرى بتشكيل الحكومة العتيدة، وهو ما يؤكد أن مصر موجودة فى لبنان، لكن وجودها ليس إلغاءً للسيادة اللبنانية كما يحاول البعض إقليمياً ودولياً، ولكن الوجود المصرى فى لبنان أساسه الحرص على المصالح اللبنانية، ودفع كل الأطراف اللبنانية إلى العمل معاً لترتيب البيت اللبنانى من الداخل بأرادة وقرار لبنانى، لا يخضع لإملاءات خارجية من أحد، وهى سياسة تلقى احتراماً من كل الأطياف اللبنانية.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة