ارتقى إسماعيل باشا حكم مصر يوم 18 يناير 1863 بعد وفاة عمه سعيد باشا، ابن محمد على، فكان همه الأول هو: كيف يتصرف مع شقيقه «مصطفى فاضل»؟
كان الاثنان «إسماعيل» و«مصطفى» هما الباقيين على قيد الحياة من أبناء إبراهيم باشا، ابن محمد على وقائد جيوشه، وحاكم مصر نيابة عن أبيه من 2 مارس حتى 10 نوفمبر 1848، وتولى «إسماعيل» منصبه طبقا لنظام الوراثة الذى حددته الدولة العثمانية فى أول يونيو 1841، وكانت مصر تقع تحت ولايتها، ويقضى بأن تكون الوراثة بـ«الأرشدية» أى تكون ولاية العهد لأكبر أولاده وأولاد أولاده، وطبقا لـ«إلياس الأيوبى» فى كتابه «تاريخ مصر فى عهد إسماعيل باشا»، فإن أول ما وجه إليه «إسماعيل» مجهوده بعد أن تولى العرش هو تغيير نظام الوراثة إلى الولد البكر فالولد البكر من ذريته، ويعيد «الأيوبى» سبب ذلك لـ«اشتعال إسماعيل بنوعين من أنواع الوقود هما، الحقد والحب، أما الحقد فعلى الأمير مصطفى فاضل أخيه من غير أمه، وعلى الأمير حليم عمه».
ويعيد «الأيوبى» أسباب حقد «إسماعيل» على شقيقه إلى كره والدتيهما المتبادل، الذى كثيرًا ما أزعج والدهما إبراهيم: «والدتهما كانتا مختلفتى الجنس والميول، بالرغم من تمكنهما الواحد من قلب بعلهما السامى، ووحدة تأثيرهما عليه، فلم تكتفيا بتبادل الكره بينهما، بل أشربتاه قلبى ولديهما، واجتهدتا فى جعلهما عدوين لدودين، لاسيما أنهما ولدتا فى شهر واحد وبينما كل منهما تتمنى أن تكون أسبق الاثنتين إلى الوضع ليكون ابنها أقرب إلى العرش».
يضيف «الأيوبى»: «مال الحظ إلى جانب «أم إسماعيل» لأن ولدها إسماعيل أصبح وليا للعهد، فلم يعد مصطفى فاضل وأمه يحتملان النظر إلى المستقبل، وباتا يتمنيان طول عمر الوالى محمد سعيد باشا، أو تقصر حياة إسماعيل، فلم يحقق الدهر لهما هذه الأمنية، ولا الأخرى، فمات سعيد وهو فى ظهر حياته، وارتقى إسماعيل عرش جده وهو فى مقتبل العمر «18 يناير 1863»، ووفقًا لـ«الأيوبى» فإن مصطفى فاضل وأهله لم يحتملوا الحياة تحت حكم «إسماعيل» فسافروا جميعا فى منتصف 1963 إلى أوروبا، بعد شهور قليلة من تبوؤ «إسماعيل» حكم مصر.
أقام «مصطفى فاضل» فى باريس، وحسب الأيوبى: «ربما أدى ذلك البعاد إلى تراخى حبل الضغينة بين الأخوين، ولكن الوشاة الذين لم تكن مصلحتهم فى أن يسود الوفاق بينهما، أخذوا يختلقون من الأكاذيب على الأمير الغائب، ما لم يكن معه بد من الاستزادة فى كره أخيه، والإغراق فى حقده، بل إنهم لم يحجموا عن تصوير ذلك الأخ النازح فى صورة الرجل المؤامر المخامر، الساعى إلى إهلاك أخيه «إسماعيل» لكى يأخذ منه عرشه، وبلغ بهم حبهم للخداع والدسائس إلى حد أن ألقوا قنبلة سرا ذات صباح فى حديقة قصر الجيزة، وأسرعوا إلى التقاطها جهرا، وتقديمها إلى إسماعيل حجة دامغة وبرهانا قاطعا على صحة مؤامرات ومخامرات ومساعى أخيه الشريرة»، ويؤكد الأيوبى أن «إسماعيل»، «لم يفطن إلى أن القنبلة كانت فارغة، لا تحمل فى جوفها سوءا مطلقا، واعتقد اعتقادا ثابتا أن أخاه أراد قتله ليخلفه على عرشه».
أقبل إسماعيل على تغيير نظام الوراثة جذريا كى يقضى على أى فرصة قد تلوح لشقيقه «مصطفى فاضل»، فسعى فى الآستانة لدى السلطان العثمانى «عبدالعزيز» كى يحصرها فى ذريته دون باقى الأسرة العلوية، ووفقا لـ«الأيوبى» فإنه أنفق على ذلك مبالغ تجاوزت الملايين من الجنيهات، وكان أخوه «مصطفى فاضل» وعمه «حليم» يبذلان من جهة أخرى كل ما فى وسعهما من أجل إفشال مخططه، لكنه نجح فى مسعاه مقابل ما دفعه من مال للسلطان ونظير رفع الجزية السنوية المفروضة على مصر من أربعمائة ألف جنيه إلى سبعمائة وخمسين ألفا، وحسب الأيوبى فإن إسماعيل سعى إلى تجريد شقيقه وعمه من ثروتهما العقارية فى مصر ليقضى على مطامعهما نهائيا فى العرش، فأوفد فى نهاية 1864 إلى مصطفى فى باريس بمن يفاتحه فى بيع أطيانه، لكنه رفض، وتكررت المحاولة مرة ثانية ونجحت، وتم الاتفاق على البيع بمليونى جنيه إنجليزى وثمانين ألف جنيه إنجليزى، وتم التوقيع على عقد البيع بباريس فى مثل هذا اليوم «22 نوفمبر عام 1866» وسجل فى اليوم السادس والعشرين منه».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة