فى وقت هادئ بعد صلاة العصر، يجتمع الصغار فى الحارة أمام بيوتهم وينغمسون فى رسم مربعات متساوية على الأرض لتبدأ لعبة "الأولى"، يبدأ أحدهم الجرى على قدم واحدة حتى يصل الى أخر مربع، ثم ينتقلون للعبة أخرى كالسبع طوبات، فيبدأون فى وضع حجارة فوق بعضها ويتبادولون الأدوار فى محاولة إسقاط كل الحجارة ليعلن أحدهم الفوز..هكذا كانت ألعاب جيل الثمانينات والتسعينات ، الجيل الذى لم يعرف سوى التلفزيون والتليفون الأرضى.
لعبة الأولى
فاختلاف جذرى بكامل درجاته أصاب أطفال الجيل الحالى الذين لا يمتون بصلة الى الواقع الذى عاشه أطفال الثمانينات والتسعينات ، فتغيرت مفهوم الطفولة رأساً على عقب سواء من حيث النشأة والتربية والتعلم وعلى مستوى الألعاب والترفيه أيضاً.
البلى
فجيل الثمانينيات والتسعينيات ابتكر ألعابه بنفسه، وقضى معظم أوقاته يلهو ويجرى فى الشوارع والحوارى معتمداً على الألعاب البدائية، وكان يعتمد بشكل أساسى على لعب "البلى" و"الأولى" و السلم والثعبان و بنك الحظ ولعبة الكراسى والأستغماية ، ثم شهد جيل التسعينات لعبة " الأتارى" التى كانت بمثابة تحول تكنولوجى هائل لم يعرفوه من قبل.
لعبة قديمة
بنك الحظ
سنوات تمر ليتغير ذلك المشهد البسيط بالكامل ، ولم يتبق منه شيئاً ، فجاءت التكنولوجيا ووسائل الإتصال وانتشار شبكات الإنترنت لتقضى على مفهوم الطفولة ، وتزرع مكانها كباراً بعقول وأجسام وأعمار صغيرة .
أطفال يتصفحون على الانترنت
ففى مشهد يتكرر ألاف المرات يومياً بداخل كل بيت حول العالم ، يجلس ذلك الطفل الذى لم يتخطى عمره ال5 أعوام ممسكاً بهاتفه أو أى باد ويقضى ساعات طويلة أمامه حتى يغلبه النعاس ،..يظل يلعب الألعاب الإلكترونية ويتجول ما بين الفي سبوك و الواتساب ، ويلتقط الصور السيلفى لنفسه ، ويشاهد الفيديوهات وأفلام الكارتون على المواقع المختلفة.
طفل يلعب بالأي باد
طفلة تلعب على أى باد
ولتحليل الوضع الحالى، قال الدكتور كمال مغيث الخبير والباحث بالمركز القومى للبحوث التربوية ، إن المجتمع الحالى والأجواء الأسرية اختلفت تماماً عن المجتمع التقليدى القديم ، الذى كان يعتمد على الالعاب البسيطة المصنوعة من الخشب والطين ، مع ندرة الألعاب المصنوعة.
وأضاف مغيث لـ"اليوم السابع" أن الأسرة قديماً كانت أكثر ترابطاً وروتينية وسيطر الحوار على أفراد الأسرة والذى كان يعد جزء أساسى من قيم الأسرة ، مؤكداً أن هذا الواقع استمر حتى أواخر الستينات ، ثم تغير مع بداية السبعينات حين بدأ الأباء فى السفر الى الخارج للعمل وترك أبنائهم، فظهرت تغييرات جديدة نتيجة تغيب الأب عن الأسرة ، مما أحدث فجوة فى فكر الأسرة وانهارت العلاقات الأسرية، وبدأت قيم الاستهلاك تسيطر على عقلية الأطفال.
كمال مغيث
وأوضح أنه مع بداية 2000 اقتحمت التكنولوجيا كافة المجالات وأصبحت الذاتية والفردية تحكم الجميع حتى الأطفال ، فأصبح لكل منهم عالم خاص به ، ويقضون ساعات طويلة أمام أجهزة الكمبيوتر .
وتابع : "المشهد الأكثر رعباً هو تجمع كل أفراد الأسرة فى مكان واحد ، وكل منهم ممسكاً بهاتفه ويعيش فى عالم منفصل عن البقية تحت سقف بيت واحد" ، ومن هنا قل الحوار الأسرى وانعدم التعاطف والتواصل ، وأصبحت قيم الفهلوة والنصاحة والتخدى والعنف هى الؤثرة على عقلية الأطفال.
وأشار الى أن الأفلام السينمائية والتلفزيون كان لها دور أيضاً فى التأثير على تربية الأطفال ، وأن السينما الحالية ببعض أفلامها وفنانيها يؤثرون سلباً على أداء الأطفال ونشأتهم ، داعياً كل الأباء لفتح حوار مع أبنائهم وترسيخ قيمته داخل الأسرة وفكرة التواصل المباشر فيما بينهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة