دائمًا ما يخشى الإنسان من التهديدات التى يسمعها من الأشخاص، حتى لو كان لا يُدرك كُنْهها، ولا يعى معناها، ولكنه يظل يُخمن ويضع الاحتمالات، وتظل الأفكار تُراوده؛ لأنه يخشى أن يُصيبه مكروه من جراء التهديد الذى سمعه، رغم أنه قد يكون لا يفقه معنى الجملة محل التهديد، ولكن مجرد قولها بطريقة تُوحى بالتهديد والوعيد، فهنا يُصاب المُتلقى بالقلق والذُّعر، ويُصور له خياله الكثير من الصور المُفزعة والمُخيفة، فمن منا لا يعرف المثل القائل: "بينهم ما صنع الحداد".
فلو تعرفنا على قصة هذا المثل، سندرك أنه لا علاقة للحداد بقوة الخلاف والعداء بين المتخاصمين والأعداء، فقصة هذا المثل تعود لأحد رجال العرب، الذى كان متزوجًا من سيدة سليطة اللسان كدَّرت حياته، وفى أحد الأيام فاض الكيل بالزوج، فخرج من الخيمة صائحًا: "بينى وبينكِ ما صنع الحداد"، أخذت الزوجة تُفكر فى جملة الزوج، وتُحاول أن تُخمن ما الذى قد يصنعه الحداد وينتقم به الزوج منها، ولكنها قررت فى النهاية الانتظار إلى أن يعود الزوج، وتعرف قصده.
وعاد الزوج بلفة داخلها قرص كبير من الحديد، ومعه عصا طويلة، أعطاها لابنه وأمره بأن يطرق عليها ليُحدث ضجيجًا، وخرج من الخيمة آمرًا ابنه بالاستمرار فى الطرق أثناء ابتعاده هو عن الخيمة، وظل الرجل يبتعد وابنه مستمر فى الطرق، إلى أن وصل إلى نقطة انتهى عندها مدى الصوت الذى صنعه الحداد، وهناك نصب خيمة خاصة به، هرب داخلها من لسان زوجته السليط .
ولو أمعنا النظر فى هذه القصة سنكتشف أن المقصود بالمثل هو أن بين المتخاصمين المسافة التى صنعها صوت الطرق على الحديد، أى أن هذه الجملة التى تُعبر عن مدى العداء وقوة الخلاف، لا علاقة لها على الإطلاق بالتهديد المقصود به الإيذاء، فالحداد لم يصنع شيئًا سوى الطرق على الحديدة لإحداث صوت ؛ لذا فالعقل يأمرنا بأن نُفكر فى كل كلمة تُقال لنا قبل أن ننسج لها خيوطًا من الخيال، ونجعلها تُؤرق حياتنا، وتُحيلها إلى جحيم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة