لا أحد ينكر أن لكل من الظهير الشعبى والسياسى مزايا، وحقق كلاهما نجاحا باهرا فى دول مختلفة، ولكن تجارب التاريخ علمتنا أن هناك زعماء قليلين امتلكوا الناصيتين.
فالرئيس الراحل جمال عبدالناصر كان حضوره الشعبى طاغيا، لأنه كان منحازا للفقراء وهم طبقة واسعة فى مصر، ومثل الاتحاد القومى ثم الاتحاد الاشتراكى، بالإضافة إلى منظمة الشباب، رديفا أو ظهيرا سياسيا، قام بدور معتبر فى الحشد. وفى كل الأحوال كانت فترة لا تتمتع بقدر وافر من الديمقراطية.
بعد عبد الناصر اختفت الكاريزما والزعامة الشعبية معا، واعتمد كل من الرئيس الراحل أنور السادات ثم مبارك، على الظهير السياسى فقط، وهو ظهير أهم ما يجمع أصحابه شبكة واسعة من المصالح التقت تحت لواء الحزب، فالأول (السادات) عندما قرر تهيئة الأجواء لتجربة حزبية جديدة، اختار عددا من السياسيين ووزع عليهم أحزابا، فى طريقة نادرة فى الحياة السياسية، وكلف خالد محى الدين برئاسة حزب التجمع، ومصطفى كامل مراد لحزب الأحرار.
ثم جاء الثانى (مبارك) وعمل على تدشين الأحزاب، إما بتفريغها من كوادرها وضمها للحزب الوطنى، أو بتعميق الانقسامات داخلها.
المهم أن تجربة الظهير السياسى، التى كان يتمتع بها مبارك، بحكم قيادته للحزب الوطنى (المنحل) والذى ضم تحت جناحيه حوالى ثلاثة ملايين مصرى، لم تفده، فعندما قامت ثورة يناير- عام 2011، تبخر الحزب ورجاله، ولم نر للملايين الثلاث مظاهرة حاشدة تعكس هذا العدد الكبير، لأن مبارك ببساطة افتقد للظهير الشعبى، وارتاحت جماهير غفيرة لعملية رحيله.
ونحن أمام ظاهرة عجيبة: بلد خاض شعبه ثورتين، فى غضون ثلاثة أعوام، ولا يوجد فيه حزب سياسى له شعبية كاسحه، وشخصية مثل السيسى من السهولة أن تشكل لها ظهيرا سياسيا مصطنعا، لكن الرجل يبدو أنه مصمم على أن يكون رئيسا للمصريين جميعا، بعد أن قرأ واستوعب تجارب من سبقوه، حيث وقعوا جميعا فى فخ المفاضلة بين معادلة أو جدل الظهير الشعبى والظهير السياسى.
مظاهرة تأييد للسيسى