أم المشكلات وأبوها فى مصر هو الفساد المالى والإدارى المقنن وغير المقنن، الظاهر والخفى، بيضة وجمل.. هذه المشكلة العويصة التى تسببت فى كثير من الشروخ فى الجسد المصرى ويرجع إليها فشل الحكومات المتعاقبة وإفساد البنية الأخلاقية للكثير من المؤسسات والعاملين فيها ولا شك فى أن هناك من يقف مشدوها حيال تغول هذه المشكلة وعجز الأجهزة المعنية والقيادات المتوالية عن وضع حد لها، وكأنما كتب على مصر أن يكون الفساد فيها بمثابة العجلة التى تدور بها حركة الدولة يوميا، إلى درجة أن اقتنع بعضهم بأن الفساد ملح التنمية.
لا يزال أخطبوط الفساد يعمل بكل أريحية، مستغلاً انشغال كثير من الاهتمامات والأنشطة الوطنية بإجراءات المرحلة الانتقالية وتنفيذ مقتضيات خارطة الطريق، ولا ننسى أنه منذ نشوب أحداث 2011 لا تزال السياسة هى سيدة الموقف، وثمة قضايا تحظى باهتمام الناس كالقضية الأمنية، وهو ما أعطى خلايا الفساد فى كثير من الجهات الحكومية الفرصة لتصنع ما تشاء، برغم وجود بعض ملامح التغيير فى القيادات والمواقع الإدارية، وأفضل وصف لحالنا كما قال الشاعر: الناس فى غفلاتهم ورحى المنية تطحن.
ولنا أن تساءل: هل حالة الوفاق السياسى أنجزت شيئا فى سياق محاربة هذه الآفة، أم أن هذه الحالة هى نفسها المسئولة عن استفراد الفساد بالمال العام والوظيفة العامة؟
فى حقيقة الأمر يبدو أن الفساد وجد فى عملية الوفاق السياسى فضاءً لتعزيز الوجود، وليس السبب هو أداء الحكومة التى تشكلت على أساس هذا الوفاق، فنحن نعرف أننا نعيش منذ أحداث 2011 وضعًا غير مستقر، والحكومات المتعاقبة منذ ثورة يناير جاءت فى ذلك الظرف العصيب الذى لا تحسد عليه، وكانت مهمتها الأولى تطبيع الحياة فى ظل أجواء مشحونة بالانقسام والمواجهة والتناحر، ولا ننكر أنها حاولت النهوض بالواقع فى حدود ما لديها من إمكانيات، ولكن مهمتها جعلتها وتجعلها محكومة بالحفاظ على مكتسبات الثورة، وهذا ألقى بظلاله على كمية التغيير ونوعية التعيين للقيادات فى مختلف الدوائر الحكومية، فأصبحنا أمام محاصصات ضرورية لم يكن ثمة مخرج منها لإدارة المرحلة على طريقة (لا غالب ولا مغلوب) التى تجرى حركة الحياة على إيقاعها اليوم، وكان من الطبيعى أن تعكس هذه المحاصصة نفسها على المواقع الإدارية فى كثير من المرافق الحكومية، ففهمت مافيا الفساد أنها مرحلة سلام وانسجام لا ينبغى لأحد فيها أن يحاسب أحدًا أو ينكر عليه ؟!
ولهذا فنحن نحث الحكومة على التأسيس لنشاط رقابى ومحاسبى وعقابى فاعل نأمل أن يقودنا فى المستقبل لمصر الجديدة فى يوم ما دولة خالية من الفساد، فالانشغال بمحاربة الإرهاب لا يعنى أن نهمل مبدأ الثواب والعقاب، فهذا المبدأ هو الكفيل بصون الحقوق، وحفظ المال العام ومعالجة المشكلات العالقة، ولا يختلف اثنان على أن الفساد هو العائق الأكبر أمام تطور الوطن ونهوضه.
ولا ننسى أن البنية المتجذرة للفساد تحتاج إلى التفكير مليا بالأساليب والوسائل المتطورة للقضاء عليه، وهذا الأمر يفرض إشراك كثير من الرؤى والأكاديميين المتخصصين فى إعداد تصورات وبرامج ودراسات تضعنا أمام خطوات فعلية وذات جدوى فى محاربة الفساد بكافة أشكاله وأنواعه ومواقعه.
ولكم أتمنى أن يعطى الرئيس قضية الفساد المالى والإدارى حقها من الاهتمام، فنحن أمام مشكلة بحجم الوطن وأزماته وهمومه ولولاها لما وصل الوطن إلى ما وصل إليه اليوم.
صنعت 30 يونيو مخرجا آمنا لمصر يتمثل بدستور جديد ونظام جديد لكننا نؤكد أننا نحن المصريين لن نتنازل عن حلمنا بمستقبل بلا فساد.
30 يونيو
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة