
ومع ازدهار الدعارة فى باريس، قام مجموعة من الفنانين الفرنسيين الكبار بالتقاط هذه الظاهرة الاجتماعية المثيرة، كعادة الفن فى توثيق الأحداث الكبرى، لا سيما الأحداث ذات البعد الإنسانى.
ويستضيف متحف أورسيه فى باريس فى الفترة الحالية معرضًا عن الدعارة يحمل عنوان «العظمة والبؤس، صور من الدعارة بين 1850 و1910» ويستمر حتى منتصف يناير 2016 ويحظر دخوله على غير البالغين تحت 19 سنة.

كما يكشف المعرض صورًا فوتوغرافية لمشاهد من بيت دعارة التقطها مصورون لم يكشفوا عن أسمائهم، خوفًا من التعرض للمساءلة القضائية.

وننظر الآن إلى الدعارة على أنها من الظواهر الاجتماعية المقيتة، ودائمًا ما نتحدث عنه باشمئزاز، ولكن فى باريس أواخر القرن التاسع عشر كانت الدعارة ركنًا أساسيًا من أركان الحياة اليومية، صفقة خاصة ذات تداعيات عامة، وكانت الدعارة تمارس بضوابط صارمة فى عهد نابليون الثالث، واستمر هذا الوضع حتى سنوات القرن العشرين، إذ مُنعت المواخير فى عام 1946 ولكن تجارة الجنس ظلت مجازة رغم أن سجالًا يجرى حاليًا فى فرنسا حول تجريم المشترى، على غرار السويد، وكان أفراد ما يُسمى فرقة مكافحة الرذيلة يتصرفون بعسف أحيانًا.

وكثيرًا ما تتحدث وسائل الإعلام عن نساء اخترن الانتحار على مثولهن أمام القضاء بتهمة الدعارة، كما كان على بائعات الهوى فى القرن التاسع عشر أن يخضعن لفحوص طبية إلزامية كل شهر، وهى عملية يمكن أن تكون مهينة أكثر من البغاء نفسه، كما يصورها هنرى تولوز لوتريك فى لوحته «شارع الطواحين»، إذ تبدو عاهراته منهكات ذليلات، ضحايا البيروقراطية أكثر من كونهن ضحايا الزبائن الذين يدفعون مقابل انتهاك أجسادهن.

وتأتى بمرتبة أعلى قليلًا على السلم الاجتماعى العاهرات الجميلات اللواتى يكون زبائنهن من الأثرياء، يبعن لهم أجسادهن إلى جانب الفتنة وسحر الحديث والسمعة، وأصبحت العاهرات الجميلات كثيرات من المشاهير اللواتى تتابع الصحافة الاجتماعية أخبارهن، وحتى أخبار زبائنهن، ومن أشهر هؤلاء لا بيفا، أكبر غانيات الإمبراطورية الثانية التى ولدت فى حى فقير، ولكنها انتقلت إلى الشانزليزيه، حيث كانت ترفه عن ضيوفها فى قصر منيف، وحين توفيت عام 1884 حنط زوجها الأخير جثمانها وحفظه فى علية البيت، متسببًا بإصابة زوجته الجديدة بصدمة.

كانت بائعات الهوى والعاهرات الجميلات على اختلاف طبقاتهن موضوعًا يستهوى الفنانين والكتاب بصفة خاصة، وأقدمت الغانية أبولونى ساباتير المعروفة بين معجبيها باسم «الرئيسة» على تحويل منزلها إلى صالون برجوزاى، وتظهر «الرئيسة» فى معرض متحف أورسيه مجسَّدة بتمثال «امرأة لدغتها أفعى» للنحات الأكاديمى أوجست كليسنير.

وكانت كبيرات العاهرات يجلسن أمام الفنانين، ويشكلن مصدر وحى للمبدعين منذ عصر النهضة، وفى لوحة تيتيان التى أنجزها عام 1538 فإن فينوس بنت أوربينو، إلهة الحب، هى فى الحقيقة أنجيلا ديل مورو، التى كانت من أغلى العاهرات البندقية، وبحلول ستينيات القرن التاسع عشر سئم إدوار مانيه من مواضيعه، وقرر أن يرسم مشهدًا مألوفًا للجميع، وكانت النتيجة امرأة عارية مستلقية على السرير و«شبشبها» يتدلى من قدمها، مع شريط حول عنقها، وزهرة فى شعرها.

لم تكن المرأة التى جلست أمام مانيه حين رسم «أوليمبيا» من بائعات الهوى، بل كانت زميلته، ومع ذلك كانت الفضيحة التى أحدثها عمله حين عُرض فى صالون باريس 1865 لم يسبق لها مثيل، وتحدثت الصحف عن نساء ينفجرن باكيات أمام اللوحة.

وأحيانًا كان يتاح لزوار المعارض إلقاء نظرة على هذا الواقع البائس، كما فى لوحة لوتريك عن الفحص الطبى لبائعات الهوى.
