وعلى النقيض من ذلك يشير الباحث الفرنسى فى كتابه إلى الصراع الذى قام فى العصور الوسطى بين السلطة السياسية ممثلة فى الأمير وبين الكنيسة، وهو الذى أدى إلى ظهور ما يسمى بـ"العقد الاجتماعى" لجان جاك روسو، والذى ساهم فى تغيير النظرة التقليدية إلى الدولة، ففى الوقت الذى ترى الكنيسة فى الله مصدرا لسلطتها، يمنح الشعب سلطته للأمير، والشعب هو أيضا الذى يملك سلطة عزل الأمير إن حاد عن طريق خدمته أو عن المصلحة العامة، ولذلك نجحت الدولة الأوروبية فى التطور من دولة الملك والأمير ومن الإمبراطورية إلى الحداثة السياسية حتى كانت دولة "المؤسسات" نتيجة لهذا التطور، والتى تستمد شرعيتها من إرادة الشعب وليس إرادة الحكام.
ويرى برتران بادى فى كتابه أن العالم العربى فشل فى تطبيق النموذج الذى جمع بين رغبته فى تفادى النموذج الغربى للحفاظ على هويته، وفى الوقت ذاته يحاول إقامة "دولة قانون" تعتمد فى الأساس على الاجتهاد لتكييف الشريعة الإسلامية مع ظروف العصر، وذلك بعد عرقلة استيراد الحداثة، نتيجة لجمود النظام السياسى.
ويرجع الباحث الفرنسى فى كتابه رفض العالم العربى للنموذج الغربى إلى ارتباط ذلك النموذج فى أذهان العرب بالاستعمار، حيث أنه لم يكن من الممكن الفصل بين دولا غربية استعمرت هذه البلدان وبين أنظمتها الديمقراطية التى يمكن الاقتداء بها.
كما يشير الباحث الفرنسى فى كتابه إلى اعتقاده بأن جوهر الثقافة الإسلامية العربية هو الذى عطّل تطور الدول التى تنتمى إلى هذه الثقافة، وذلك بالإضافة إلى مساهمة الغرب فى ما وصفه بـ"إجهاض المشروعات التحديثية فى العالم العربى والإسلامى".
وفى هذا الإطار يلفت الباحث الفرنسى إلى أن ذلك الدور الذى لعبه الغرب تجاه المشروعات التحديثية فى العالم العربى، كان بدافع أن تظل هذه البلدان تابعة له، وهو ما أدى إلى انغلاق العرب والمسلمين على أنفسهم أكثر، حتى أصبحت المعارضة لا تجد طريقا لها سوى فى الممارسات المتطرفة، وأن هذه المعارضة ليست موجهة فقط ضد الأنظمة السياسية ولكن إلى الحكومات والبرلمانات أيضا.
وبرتران بادى هو باحث فرنسى فى علم الاجتماع، وله العديد من المؤلفات منها "الدولة المستوردة".
موضوعات متعلقة..
"حب الرمان" رواية عن ضعف النساء وقوتهن لـ"سماء زيدان"
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة