ناجح إبراهيم

شكراً يا شهر رمضان

الخميس، 16 يوليو 2015 10:19 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مضى الشهر الكريم سريعًا، بدأ بالأمس ويكاد ينتهى اليوم.. إنه ضيف رائع خفيف جميل يأتى بالأرزاق والخيرات والبركات، يعطينا ولا يأخذ منا.. يعلمنا ولا يتعلم منا.. يزكينا ويربينا ويهذبنا ويرحمنا.. ويواسى الفقراء ويجمع الشمل ويصلح بين المتخاصمين.. ثم يمضى سريعًا بعد أن يؤدى مهمته لا ينتظر جزاء ً ولا شكورا.. ولا يمن ّ علينا بما أكرمنا فى كل لحظة من لحظاته.. مضى شهر رمضان المعظم بعد أن أسعد الجميع.. لقد تفكرت طويلاً فى عظمة هذا الشهر.. شعرت وكأن الله أرسله ليسعد الناس جميعا.. فباعة الملابس والأحذية يسعدون به وينتظرونه بلهف وشوق لأنهم يربحون فيه أضعاف غيره.. كل محلات البقالة والسوبر ماركت تظل فيه ساهرة حتى الصباح ولا تتوقف عن البيع.. وتجهز الملايين من شنط رمضان، رمضان السعيد يسعد الجميع حتى الأيتام والفقراء والأرامل يسعدون فيه.. بنك الطعام وزع ملايين العبوات وكذلك الأورمان ومصر الخير والجمعية الشرعية وغيرها من الجمعيات الرسمية ومن أهل الخير المنفردين، وكل ذلك أسعد آلاف الأسر الفقيرة.

رأيت عشرات الأطفال الفقراء ينزلون من باصات أمام متجر كبير للملابس.. يدخل الأطفال إلى المتجر ليختاروا ملابسهم.. تأملت وجوه الأطفال الصفراء وملابسهم الرثة فأدركت أنهم لم يلبسوا ملابس جديدة من العام الماضى.. تأملت بعضهم وهو يخرج من المتجر فرحاً بملابسه الجديدة.

فى اليوم التالى سألت صديقى المدير الإدارى للمتجر معبرا عن سرورى بما شاهدته بالأمس.. قال: كل عام تأتى إلينا مجموعات من دور الأيتام أو الأطفال الفقراء من القرى.. إننا نساهم معهم بنسبة جيدة تيسيرًا عليهم ومشاركة للمسؤولين عنهم.

شهر رمضان لا يسعد أهل مصر وحدهم ولكن يسعد العالم الإسلامى كله.. ويسعدهم أيضا وهم يجتمعون بالملايين معتمرين فى الحرم المكى والمدنى، فأحلى الأيام هى أيام العمرة فى رمضان.. صفاء ونقاء وعبادة وحب وتآلف وتواد.. قلوب ترفرف فى السماء لا تعرف الضغينة ولا الحقد ولا الصراع السياسى.
شهر رمضان لا يسعد المعتمرين وحدهم، ولكن كل شركات الطيران والسياحة وكل التجار فى مكة والمدينة يسعدون أيضا.. بعضهم كان يشكو الكساد.. فإذا بشهر رمضان المعظم يزيل كسادهم ويحنو على أسرهم ويضمد جراحهم الروحية والاقتصادية.

قلت لنفسى: لابد أن لهذا الشهر أسرارا أخرى أكبر من ذلك.. إنها بركة الطاعة والعبادة والقرب من الله.. إنها تنعكس على الناس جميعا.. حتى سائق التاكسى الذى كان يشكو من قلة الزبائن قبل رمضان.. إذا به لا يجد وقتا للإفطار أو السحور من كثرة الزبائن.

لا أجد تفسيرا للسعادة الكبيرة التى تغمر الأطفال.. فكلما مررت بشارع فى حى شعبى أو راق وجدتهم يلعبون ويمرحون حتى الساعات الأخيرة من الليل.. النساء تظل فى المسجد تصلى القيام ثم التهجد ثم تتسحر فى المسجد وتصلى الفجر ولا تترك المسجد إلا فى الشروق، دعوات صادقة حارة يعززها بكاء ونحيب وتوبة واستغفار من قلوب هزها الشوق إلى المحبوب الأعظم سبحانه وتعالى.. تريد أن تتوب عن انشغالها بالدنيا.. وانغماسها فى الملذات الحرام.. أو انشغالها عن المحبوب الأعظم الذى منحها كل شىء.. ولم يطلب منها شيئاً سوى عبادته سبحانه وشكره.. ولكن الكثير من عباده ينهلون من نعمه ويضنون عليه سبحانه وعلى أنفسهم بعبادة ما أسهلها وذكر وشكر ما أيسره.. ولكن شهر رمضان يأبى إلا أن يصلح بين الخلق والخالق والعبد وربه.

يتزاحم الأطفال على المساجد فى قيام الليل بعضهم يذهب ليلعب أمام المسجد وأمه تصلى داخله.. وبعضهم يلعب على السلم وبعضهم ينام وهو راكع أو ساجد.. ولكنهم يعتبرونها فسحة يومية يرغبون فيها كل يوم، حتى المسيحيون المصريون يوقرون رمضان.. لا يأكلون أمام المسلمين فى نهار رمضان حياءً وأدبا.. وبعض التجار المسيحيين يخفضون ثمن الشنط الرمضانية أو الملابس التى ستهدى للأيتام والفقراء.. وبعضهم يقول دائمًا: شهر رمضان شهر جميل ونحن نحبه.. الجميع يرزق فى رمضان.. والكل يرزق الكل من رزق الله، كان هناك مجموعة من التجار المسيحيين والمسلمين فى منطقة المنشية بالإسكندرية يقيمون مائدة رحمن.. البعض راهن على اختفاء موائد الرحمن هذا العام.. ولكننى وجدتها فى معظم أماكنها ومعظمها كتب عليها «مائدة الرحمن لضيوف الرحمن» استحى كل من يقوم عليها أن يكتب اسمه.. أو أنها خاصة بفلان أو من مال فلان.. هى من رزق الرحمن لضيوف الرحمن الصائمين.. لم يكتب أنها للفقراء.. جمع فى العنوان بين الإخلاص والحياء، الإخلاص هو سر هذا الدين العظيم.. هذا السر هو الذى جعل مثل أبى بكر يزن إيمانه إيمان الأمة كلها.. فما فاق أبو بكر غيره بكثرة صلاة ولا صيام ولا عبادة ولكن بسر وقر فى قلبه ألا وهو الإخلاص.

وشهر رمضان يساوى كلمة واحدة هى «الإخلاص»، وهى سر الإسلام كله.. والسر العظيم الذى ملأ قلوب الأنبياء جميعا وحوارييهم وأصحابهم فملأوا الأرض هداية ورشدا وحببوا الخلق فى الخالق وقربوا الخلق للحق.. إنه السر العظيم الذى نرجو أن ننهل منه المزيد والمزيد.. اللهم ارزقنا الإخلاص فى القول والعمل.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

عادل عامر

شكرا شيخنا الجليل

عدد الردود 0

بواسطة:

مصرية

كل سنة وأنت طيب

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة