د. محمد على يوسف

يشعر بالخشوع

الأربعاء، 15 يوليو 2015 10:09 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يشعر بالخشوع.. تشعر بالسكينة.. يشعر باليُمن.. تشعر بالقرب.. يا رب بحبك أوى.. خليك معايا يا رب.. جُمل من مثل هذا النوع لا تكاد تخلو منها صفحات التواصل الاجتماعى خصوصا الفيس بوك، يحرص الكثيرون على تحديث حالاتهم كل برهة وإجابة ذلك السؤال العتيد الذى يتوسط شاشة صفحاتهم، بم تفكر الآن؟ ما هى حالتك؟ ما الذى تشعر به؟ من هنا تبرز تلك المشاعر المعلنة على تلك الصفحات وتصير مشاعا بين الناس فلا يُستغرب أن يلقى أحدهم صاحبه منزعجا ويسأله باهتمام ما الذى جعلك تشعر بالحزن أمس؟! ولم يعد مثيرا للدهشة أن تتصل بصديقتها فجأة لتستفهم منها عن سر كآبتها! من أين عرف وكيف علمت؟ من الفيس طبعا، كل هذا لا إشكال فيه، بل قد يرى البعض أن له جوانب إيجابية، حيث يعين الناس على الاطمئنان على بعضهم البعض ومن ثم يتحقق الهدف الأصلى لتلك المواقع.. التواصل. لا مانع إذاً من التغاضى عن كون الحياة الخاصة لم تعد خاصة وأن المشاعر والأحاسيس ربما شابها التكلف حين صارت مشاعا، وأن الكثير من الناس قد صار كل ما يشغل بالهم هو كيفية التعبير عن تلك المشاعر فى منشور على الفيس أو صورة على إنستجرام أو تغريدة على تويتر، فكل ذلك قد يقبل النقاش والأخذ والرد. ما لا أجد له مبررا ولا أستوعب سببه هو أن تكون تلك الوسائل والمواقع والصفحات هى المحل الرئيسى لعلاقة البعض بربهم، أن تتحول بالتدريج إلى محاريب التعبد وساحات التنسك، أن تكون هى المكان الذى يناجى فيه الخلق مولاهم ويدعونه.

دعونا نصارح أنفسنا.. إن ترجمة المشاعر إلى كلمات وسهولة نشرها على هيئة يقرأها الناس وتستجلب إعجاباتهم وتعليقاتهم ومشاركاتهم لها لذتها بلا شك! تلك اللذة التى أنست البعض اللذة الحقيقية التى ينبغى أن يسعوا إليها، لذة الصلة بالله، لذة المناجاة والدعاء، لذة أن يكون بينك وبين ربك سر وعلاقة لا يعلمها غيره. أما أن تنقلب الآية فتصير لذة الإعلان هى الغاية بينما تكون المشاعر والعبادات والأدعية هى مجرد وسائل لنيل تلك اللذة فتلك مصيبة حقيقية. أعلم جيدا أن البعض سيرفض وصف الأمر بالمصيبة وسيبرره بأشياء ربما تحمل وجاهة كتذكير الناس مثلا وحثهم على الدعاء أو طلب تأمينهم على ذلك الدعاء فلعل فيهم صالحا أو صالحة يجيب الله تأمينه.

وهذا كما قلت له وجاهته وليس هو ما أستهجنه أو أنتقده. المصيبة التى أتحدث عنها فى الاقتصار على ذلك ونسيان الأصل! ذلك الأصل فى العلاقة التى تكون بينك وبين ربك والذى يتلخص فى كلمة واحدة؛ الخصوصية تلك الخصوصية التى تظهر واضحة جلية فى إجابة الله لمن يناجيه بسورة الفاتحة فى الصلاة فيقول العبد: «إياك نعبد وإياك نستعين» حينئذ وكما فى الحديث القدسى الصحيح يرد المولى جل وعلا: هذا بينى وبين عبدى ولعبدى ما سأل. تأمل.. بينى وبين عبدى! خصوصية وسرية وصلة وقرب، وفى سورة البقرة تكرر ذكر أشياء سألوا عنها النبى صلى الله عليه وسلم وجاءت دائمًا الإجابة دائمًا مبتدأة بفعل الأمر «قل» «قل قتال فيه كبير»، {قل العفو}) «قل هى مواقيت للناس والحج} وهكذا.. إلا فى موضعٍ واحدٍ حين سألوه عن الله جل وعلا فجاءت الإجابة بغير وسيط! أى وسيط حتى لو كان النبى صلى الله عليه وسلم نفسه فكان الموضع الذى ليس فيه {قل} بل أجاب ربنا عنه مباشرة بنفسه قائلًا: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}، هو قريب إذاً وهو سميع بصير عليم خبير يراك حين تقوم وتقلبك فى الساجدين، لذا فالأمر لا يحتاج دوما إلى أن تبحث عن هاتفك الذكى لتحدث مشاعرك أو تكتب دعاءك وتعلن نجواك، يكفيك فقط أن ترفع يديك وتناجيه أو تتوجه له بروحك وتناديه وسيسمعك ويجيبك فهو السميع القريب المجيب.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة