د. محمد على يوسف

فقط لو صدَّقنا

الأربعاء، 03 يونيو 2015 08:17 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كثير من الأشياء التى نستصعبها فى حياتنا ونظن أنها أحيانا مستحيلة وغير ممكنة أو حتى بعيدة المنال وتستلزم مشقة رهيبة لأجل الوصول إليها هى فى حقيقتها غير ذلك، كثيرا ما تكون تلك الأشياء الصعبة أو المستحيلة هى كذلك فى أنظارنا نحن وحسب، نحن من نقرر أو نسمح للظروف المحيطة بنا أن تتحكم فى نظرتنا لبعد الأشياء وقربها أو سهولتها وصعوبتها. ذهبت قريبا إلى مكان لم أره منذ الصبا، مرت أعوام طويلة منذ آخر مرة كنت هناك، عند ناصية الطريق وجدت تلك العلامة البارزة التى كنت قديما أميز بها هذا المكان، إنه تمثال ضخم يميز تلك المدينة الساحلية الجميلة، ها هو يبدو من بعيد قد بدت معالمه واضحة فى الأُفق لكن لحظة.. عن أى أُفقٍ أتحدث؟! وما بال التمثال قد صار قريبا هكذا؟! وما بال هذا الطريق قد تقلص وانكمش إلى هذه الدرجة؟! لم تمض لحظات إلا وقد وجدت نفسى قد وصلت وبلغت ذلك التمثال العتيق! إن ما رسخ فى ذاكرتى منذ الصبا أن هذا الشارع كان طويلا جدا، ما كنت أتصور فى تلك الأيام الغابرة أن أقطع هذا الشارع إلا راكبا وتظل مع ذلك المسافة بعيدة ويظل الطريق طويلا مملا رغم الركوب، هذه المرة فوجئت أنها فى الحقيقة مسافة لا تذكر!

تُرى هل كان الطريق دوما قصيرا هكذا ولم تضخمه حينها إلا نظرات الصبا ومبالغات المراهقة وعجلة الشباب واستعجاله؟! أم هل تراها الخطوة قد تسارعت اليوم ولم يعد المرء يملك وقتا يضيعه فى مشى غير حثيث وقد صار كل شىء حوله يتسارع ويمضى كالريح؟! أم هى النظرة التى اختلفت بعد أن طافت بين المسافات البعيدة وسعى صاحبها بين البلدان وجاب الأماكن وسلك الدروب الطويلة فصار هذا الطريق قصيرا سهلا بالمقارنة بما رأى؟! ربما كان ذلك.. وربما كان غيره المهم أن الحقيقة كانت بخلاف ما ترسخ فى ذهنى قديما، أمر شبيه تكرر مع تعلم السباحة تلك الرياضة التى كنت دوما منذ صغرى أتمنى تعلمها كنت أنظر لمن يجيدون السباحة نظرة تقدير وإعجاب وأحيانا انبهار!

كيف توفرت لديهم تلك الشجاعة حتى جرأوا على ألا تلمس أقدامهم الأرض بينما يثقون لهذه الدرجة أن أجسادهم الثقيلة ستطفو، ولن تغرق كأى صخرة صماء تحترم نفسها. نعم أعرف قوانين الطفو جيدا لكن التنفيذ شىء آخر! لطالما ظننت أن مثلى لن يستطيع تعلم السباحة أبدا وأن الأمر صعب للغاية ثم تعلمتها.. والعجيب أن الأمر لم يستغرق إلا دقائق معدودة!!

جملة واحدة قالها لى صديق بعد محاولات حثيثة لكى أقبل التجربة، جملة ربما كنت أعرف فحواها لكننى لم أفكر يوما أن المعرفة النظرية لن تكفى وأنه لابد من شىء آخر مهم للغاية، الثقة ولقد كنت أثق فى هذا الشخص وأعرف أنه لن يخدعنى.

- سيب نفسك بس ووالله المَيَّه هتشيلك، هكذا أكد جازما ولقد صدقته وبالفعل تركت بدنى دون تشنج ونبذت شعور الغرق الذى كنت أتصوره وطفت ثم سبحت وبعد دقائق كنت أسابق غيرى، صحيح أننى هُزمت فى السباق بحكم السن وقلة الخبرة لكننى قطعت المسافة دون أن تمس قدمى الأرض وفى النهاية وصلت هكذا ببساطة.. فقط حين صدَّقت، وهل كنت مكذبا قبل ذلك؟!

الجواب لا.. ولكنه الفارق بين التصديق العملى والنظرى وبين الحقائق العملية والتصورات التى نسمح لها أن تتحكم فينا، وكم من أمور مبلغ تصديقنا لها هى تلك المعرفة النظرية الجافة وحسب! كم من أمور نستطيعها لكننا فقط لا نوقن ولا نصدق تصديقا عمليا أننا نستطيعها! كم من أشياء ثُبطنا عنها لافتراض الصعوبة المسبقة فقررنا ألا نجربها أصلا، وحين نصدِّق وثق أن الأمر ممكن وأننا نستطيع.. حينئذ سنفاجأ بأن كثيرا من الأشياء كانت متاحة وسهلة وممكنة، فقط لو صدقنا أنها كذلك.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة