لا صوت يعلو- فى رمضان- على صوت المسلسلات، وقد تجاوزت سطوتها، وحين تشاهد البرومات حالياً على الفضائيات تصاب بالغثيان مما يتردد من عبارات خادشة للحياء وصياغة مريبة للمواقف وألاعيب من شأنها تشتيت الشباب والأجيال وكأن هذه المسلسلات هى القدوة أو المُعلم الذى يقود الأجيال نحو صناعة وجدانهم بأساليب غريبة غير تقاليدنا وبكل ما تحتوى من تركيبات لغوية ما إن تطلقها
الأعمال الفنية حتى تتحول إلى موضة سريعاً ما تكون قنابل موقوتة شديدة التأثير، هى بعيدة كل البعد عن تراثنا وموروثنا الحضارى، إن نظرة سريعة للبرومات تشير إلى تردٍّ واضح وانحدار عن كل عام.. بما يعلن أننا نهبط عاما بعد عام.. وأن المستوى يتضاءل والخط البيانى يؤكد أننا أمام أزمة، القضية ليست أموالا يقذفها المنتجون على النجوم، والقضية ليست أبدا مجرد تسويق هنا وهناك، القضية الأساسية التى لابد أن نعى إليها تماما هى أين مسؤوليتنا من الأعمال الفنية؟ خاصة فى شهر رمضان المعظم.. فهل
يعقل أن تختفى فى هذا الشهر الكريم المسلسلات الدينية ذات الطابع التاريخى العريق، وكنا روادًا فى هذا المجال بدون منافسة.. ألم يفكر أى من صناع هذه الدراما، فى تقديم عمل دينى واحد- على الأقل- يمكنه أن ينقذ الأجيال من هذا الغثيان المتواصل.. ما يحدث غير صحى وغريب ويدعو إلى الانحطاط.. إنها أعمال تشبه المخدرات فى تأثيرها بل تفوق، وقد يتخيل البعض أن المسألة ليست مجرد مصادفة.. بل هى مؤامرة على عقل وضمير الشعب المصرى، ولا يعرف هؤلاء أن مجرد غياب الجدية عن كتابة وصياغة الأعمال الدرامية.. هى مؤامرة.. وهى من حصاد سنوات ما قبل 25 يناير، الثورة التى غيرت كل شىء فى المجتمع أو هكذا يجب أن يحدث.. الثورة تحاول أن تجتث كل سلبيات العهد الماضى ومن بينها
محاولات تشويه الشخصية المصرية.. وتهميش دور الشباب بحيث يضيع عقله فى متاهات المناهج التعليمية العقيمة التى لا تترك شيئا عند الطالب فى أعقاب الامتحانات ونهاية الأعوام الدراسية، يضاف إلى ذلك محاولات ضخ أكبر عدد من الأعمال الدرامية السينمائية الساقطة ويساعد ذلك الأعمال الدرامية التليفزيونية إلى جانب هبوط مستوى الأغانى، فبعد أن كان الموسيقار محمد عبدالوهاب وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ يغنون قصائد أحمد شوقى وأبى فراس الحمدانى وعلى محمود طه ونزار قبانى أصبحت اليوم الأغانى عبارة عن ترديد لأسوأ ما يقال فى الشوارع والحارات الشعبية من ألفاظ وشتائم وبذاءات.
فى الماضى كان الشهر الكريم يضم مجموعة بسيطة من الأعمال الدرامية لا تتجاوز ثلاثة أعمال فى العام الواحد من بين هذه الأعمال لابد أن يكون هناك مسلسل دينى أو تاريخى ذات مستوى رفيع من
التأليف والإخراج والتمثيل، وإلى جانب ذلك كانت الفوازير ذات طابع استعراضى راقٍ، هذه الفوازير أطلقت طاقات فنية مهمة على مدى سنوات.. وإلى ذلك كله توجد مجموعة من البرامج الترفيهية والثقافية والدينية، كل ذلك يترك لدى المتلقى أكبر الأثر فى دعم ذائقته الثقافية والفنية.. كانت هناك تركيبة اجتماعية إنسانية تجعل المجتمع فى توازن واستقرار.. كان هذا الزمن نتاج فكر جاد يحكم دولة.
ومع الوقت انتشرت محاولات التهميش وتمميع القضايا حتى سادت فى الخمسة عشر عاما الأخيرة، وأصبح الأمر مخيفا فلا توجد قيم ولا توجد أعراف وتنتفى الأعمال الفنية من كل ذوق.. ولا أعرف ما هى مقاييس الرقابة وقتها..؟! وكيف سمحت بتداول هذا الكم الهائل من السقوط والتدنى.. ما حدث من أعمال هابطة فى هذه السنوات كان أكبر حرب ضد مصر وضد شخصية مصر التى وصفها المؤرخون بالعبقرية.. الدراما اليوم فى أزمة، ولابد من تدارك الأمر سريعا، إنها تدعو للانحراف وتبشر بالجريمة وترسم الفساد بأشكاله وتنقل إلى الأجيال الجديدة كل أساليب الانحطاط والخلاعة وخدش الحياء.. وقد تفلت هذه الأعمال من جداول الرقابة.. ولكنها أبدا لن تفلت من ضمائرنا ومن ديننا ومن قيمنا ومن تراثنا.. ومن حضارتنا الخالدة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة