نموذج مصر فى بينالى فينسيا
ولا نستطيع التأكيد إذا ما كانت تلك العبارات المستخدمة فى صوغ النشرة الصحافية مقتبسة من العرض المرفق مع العمل والشارح لفلسفته وفحواه، أم هى مجرد صياغة صحفية، ليس لها علاقة بأصحاب المشروع، فهى عبارات دعائية لا تصلح لأن تكون عرضاً منهجياً لعمل فنى مشارك فى أهم وأقدم فعالية دولية للفنون، إذ يعكس هذا التأكيد على استخدام التكنولوجيا نفياً طفولياً مبطناً لشبهة التخلف عن ركب العلم، وكأن لسان حالنا يقول: "حتى لا نظهر بمظهر المتخلفين عن ركب التكنولوجيا و"المعاصرة"، ها نحن نستخدم أحدث ما وصلت إليه التقنية الحديثة، ونخاطب العالم بلغته التى يفهمها، ولا ينقصنا شىء!!".
أحد مراحل المشروع
يعود القطاع مرة أخرى بعد افتتاح البينالى ليتعامل مع تلك المشاركة كأحد أبرز إنجازاته، فيعلن بكل فخرعن هذا النجاح الكبير الذى حققه الجناح المصرى، والإقبال الجماهيرى منقطع النظير على العمل المشارك، ويبدو أن المشاركة فى حد ذاتها تعد هدفاً وميزة كبيرة، ودائماً ما تسعدنا الفتات، إذا ما حصلنا عليها من أية فعالية أو مسابقة دولية فى أى مجال، فالمؤسسة الرسمية- على ما يبدو، قنوعة بطبعها، وتؤمن بالقسمة والنصيب دائماً، أو هذا ما تؤمن به منظومة الثقافة الرسمية بطرفيها، من وزارة، ومجلس أعلى للثقافة، بما فيه لجنة الفنون التشكيلية، التى كان لها دور فى اختيار العمل المشارك من ضمن ثلاثة أعمال أخرى عرضت على اللجنة، فالوزارة تؤمن أيضاً بمبدأ "إدى العيش لخبازينه" و"خبازينه" بالطبع هم شيوخ الصنعة وأصحاب الاختصاص من أساتذة جامعة ومتخصصون أكاديميون ممن يتربعون على عرش تلك اللجنة "الشرفية" التى لا يعرف على وجه الدقة اختصاصاتها ومسؤلياتها، غير أن دس أنفها فى رفض وقبول واختيار الأعمال الفنية المشاركة فى فعاليات دولية ينبىء بأنها قد عثرت أخيراً على دور لها، فلأن أعضائها من أصحاب الاختصاص عليهم إذاً الإضطلاع بدورهم المنوط بهم وعدم تركه لـ"أرزقية" الفن، كما يفعل غيرهم من شيوخ المهن الأخرى، ومن قال أن العمل الفنى يتطلب آلية مختلفة للفرز والإنتقاء فهو شخص مغرض، وله أهداف مشبوهة.
إحدى مراحل المشروع
وعلى هذا الأساس تقدم للمسابقة التى أعلن عنها قطاع الفنون التشكيلية 11 عملا تم عرضها على لجنة نصفها من موظفى القطاع، وبعد أن وقع الاختيار على ثلاثة مشاريع من هذه الأعمال المقدمة للمسابقة، تم عرض هذه المشاريع الثلاثة على لجنة الفنون التشكيلية بالمجلس الأعلى للثقافة. ونستطيع أن نتخيل طريقة آداء اللجنة فى اختيار العمل المشارك، الذى يعبر- من وجهة نظرهم، عن رسالة مصر إلى العالم، ورؤيتهم المشتركة و"المتخصصة" فى الكيفية المثلى للتعبير عن هذه الرسالة النبيلة.
الفنانون المشاركون
فهل كان العمل المشارك هو أفضل هذه المشاريع المقدمة حقاً؟، فى الواقع لا نستطيع الحكم، فهو أمر تضطلع به هذه العقول وحدها، دون غيرها. ولكن يمكننا فقط أن نستغل حقنا الذى كفله الدستور فى التعبير وإبداء الرأي. فبالعودة إلى العمل المشارك يمكننا أن نلمس بسهولة ميلاً صارخاً إلى الاستعراض والعجيج، تؤكدة هذه المباشرة فى استخدام كلمة "سلام" بالحروف اللاتينية، فالتعبير عن الانفعال شىء ووصفه شىء آخر. فقولك: "أنا أحب سعاد"، يعنى أنك وصفت الانفعال، ولكنه لا يعنى تعبيرك عنه، فلا يلزم أن تتضمن الكلمات المستخدمة فى التعبير عن هذا الانفعال أية إشارة صريحة لهذه المشاعر، وهذا يفسر السبب الذى جعل استخدام الصفات أو النعوت فى الشعر أو حتى فى النثر- حيث يكون التعبير مقصوداً، خطراً. فإذا أردت كفنان التعبير على سبيل المثال عن الرعب الذى يحدثه أى شىء، فعليك ألا تنعته بكلمة مثل "مرعب"، لأن هذه الكلمة تصف الإنفعال بدلاً من أن تعبر عنه.
أحد مراحل المشروع
فكرة السلام فى حد ذاتها، والتى يتناولها العمل هى فكرة جديرة بالاهتمام، فمن منا لا يحب السلام، ولا يتمنى أن يعم العالم، وينعم الناس به جميعاً، ولكن طريقة التعبير عن الفكرة بهذا الشكل هو أمر يصيب العمل بالركاكة، وإلا ما الفرق بين الفنان والمتلقى العادى، فالمتلقى ينتظر من الفنان أن يعبر عما يريد هو التعبير عنه، ولا يستطيع، لأنه لا يمتلك الأدوات أو الملكة التى تؤهله للتعبير عن هذه الأفكار، فهو يعبر عنها فى شكل مباشر ودون عمق، بينما يبحث الفنان دائماً عن تجليات جديدة ومختلفة لنفس المعنى، دون أن يعلن عنه صراحة. ونحن هنا نتحدث عن السلام، فنكتب كلمة "سلام" كبيرة بحجم القاعة، ويتم التفاعل معها "بأحدث التقنيات التى وصل إليها العلم" كى يكتشف المتلقى فى النهاية أن السلام "جيد" والحرب "سيئة" وعلينا أن نختار بينهما. فكأنهم يعلنونها صراحة: "نحن نحب سعاد".
موضوعات متعلقة..
بينالى فينيسيا يشعل معركة بين التشكيليين.. فنانون: المشروع "غير لائق" لتمثيل مصر واللجنة أخطأت فى الاختيار.. ورفقى الرزاز:"هل ترانى" يتوافق مع دعوة بلادنا للسلام ومشرف