د. محمد على يوسف

رد فعل

الأربعاء، 13 مايو 2015 08:30 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لكل فعل رد فعل مساوٍ له فى المقدار ومضاد له فى الاتجاه.. هكذا علمونا فى صبانا وغرسوا فى أذهاننا تلك القاعدة الفيزيائية المهمة.. قاعدة تصلح لتعميمها على كثير من نواحى الحياة، وليست الفيزياء فقط، وهى بلا شك قاعدة معتبرة فى كل الأعراف البشرية، وبها يعذر المدافع دفاعا شرعيا عن النفس، لأنه ببساطة كان رد فعل ولم يكن مُنشئ الفعل ابتداءً. لقد كان خائفا وكان هذا الذى اقترفه مجرد رد فعل. يقول العارفون بعلوم الحيوان إن أكثر الحيوانات الضارة لا تلسع ولا تعض إلا خوفا وليس اعتداءً. قد يبدو مظهر تلك الحيوانات مخيفا، وقد تكون لسعتها خطيرة وعضتها مؤلمة، لكنها تظل فى كثير من الأحيان مجرد رد فعل، وأثرا للخوف الكائن فى أعماقها والذى أدى لذلك التصرف الذى بدا مرعبا، لكن هل تصلح قاعدة «لكل فعل رد فعل» كمنهج لحياة إنسان أو مجموعة من البشر؟! أقول: قد تصلح ظاهريا.. ربما.. لكن هذا الإنسان أو الأمة أو المجتمع الذى بنى حياته على ردود الأفعال فقط لو تأمل حاله من منظور عين الطائر لأسف على نفسه أيما أسف حين يفاجأ بتلك الحقيقة الُمرَّة، حقيقة إنه لم يعد له أى سلطان على تلك الحياة، صار مجرد تابع لما تمليه عليه تصرفات الآخرين التى وإن خالفها فهو قد رضخ عمليا لسطوتها وصار رد فعل لها.

إن حياة مبناها على ردود الأفعال، وردود الأقوال، وردود الردود، وردود الردود على الردود، لهى حياة صاحبها هو آخر من يتحكم فى مسارها أو يحدد خياراتها. هى ببساطة حياة يتحكم فيها الآخرون ويوجهونها، حيث شاءوا! لابد أن يعترف بهذا كل من أراد أن يصحح مساره ويترك أثرا ما فى حياته.

لا شك أن رد الفعل ربما يتعين أحيانا ويكون أمرا لا مناص منه، بل وربما يعد من تخاذل عنه مخطئا أو مقصرا، لكن الخلل فى كون ذلك يتحول تدريجيا إلى الأصل، بحيث يصير المرء دوما تحت رحمة خصومه أو مخالفيه يحركونه كيفما شاءوا، لابد فى خضم ردود الأفعال المتعينة من وجود خطوات للأمام أحيانا، أن تكون أنت الفعل وأن يكون لك الخيار، فذلك هو محل التغيير الأساسى ومناط التأثير الرئيسى، إن الاستسلام الدائم لما تمليه الأحداث وتفرضه مجريات الأمور لن يسمح للمرء قط، لا بإبداع ولا بتفكير مختلف ولا بخطوات تجديدية مغيرة للأفضل، لقد قاد رسول الله ما يزيد عن تسع وعشرين غزوة، هذا بخلاف ما يقارب السبعين سرية أرسلها على مدار السنوات العشر التى هى فقط مدة العهد المدنى، أى أن المجموع كله كما أورده الحافظ ابن حجر يقارب المائة غزوة وسرية فى عشر سنوات وحسب، يعنى تقريبا لا يمر شهر من حياة المسلمين فى المدينة دون حدث جلل!! هذا بخلاف تآمر المنافقين وتربص اليهود ومشاكل المجتمع الوليد ونوازل الأمة الناشئة، مع ذلك فإنه وفى ظل تلك الحياة الحافلة الحاشدة بالأحداث التى تستلزم ردود أفعال، لم يكتف النبى أن تكون حياته وحياة المسلمين مجرد ردود أفعال، بل لطالما اتخذ الخطوة الأولى، وأمسك بزمام المبادرة، ولم ينس فى خضم ما هو فيه أن يؤصل لهذه الأمة قواعد وأصولا وآدابا وفروعا تحيا على أساسها إلى اليوم. ولن تجد إنسانا كان له أثر فى هذه الدنيا إلا وقد فهم ابتداءً تلك الحقيقة، وقرر ألا تأسره قضبان الأحداث أو تقيده أغلال أفعال الآخرين. ستجد له بالضرورة خطوات قرر هو أن يخطوها وأن يكون هو الفعل وليس مجرد.. رد فعل.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة