كان مؤتمر تنمية الاقتصاد المصرى فى شرم الشيخ المنعقد من 13/15 مارس مفاجأة بكل المقاييس، من حيث التنظيم المبهر الذى أكد قدرة المصريين على الإنجاز والإبداع، بما لا يقل عن أى إنجاز عالمى مماثل، إضافة إلى الحضور بهذا الكم وبذاك الكيف، حيث قد وصل عدد الدول المشاركة إلى حوالى مائة دولة، مثلها رؤساء وملوك وأمراء ورؤساء حكومات ووزراء، إضافة إلى هذا الكم من كبار المساهمين والشركات العالمية.
والأهم، فقد كان هذا الحضور المبهر فى ظل تلك التفجيرات التى شملت العديد من مناطق الجمهورية بهدف التخويف والترهيب للمستهدف حضورهم، ناهيك عن الرسائل التى أرسلت للدول والسفارات والأشخاص بالتحذير من حضور المؤتمر، وذلك تأكيدا وتنفيذا لمخطط إفشال الوطن وإسقاط الدولة، كما تُوج هذا التنظيم وذاك الحضور بهذا الكم من المساعدات العربية التى أعلنت فى حفل الافتتاح والتى وصلت إلى اثنى عشر ونصف مليار دولار، إضافة إلى الاتفاقيات التى تم توقيعها بين الحكومة وبين المستثمرين والتى وصلت إلى خمس وثمانين مليار دولار، إضافة إلى اتفاقية بناء العاصمة الجديدة ومدينة الملاهى العالمية، وبهذا يكون المؤتمر قد أرسل رسائل مهمة، أولاً: بالرغم من تلك الممارسات الإرهابية والمتنوعة، والتى لم تهدأ منذ إسقاط مرسى وبالرغم من هذه المواقف المنحازة من بعض الدول لتلك الجماعات الإرهابية التى تروج لما يسمى بالانقلاب العسكرى وحكم العسكر وغياب الأمن وضياع الاستقرار وإسقاط الديمقراطية، ومع ذلك كان هذا الحضور الرائع أشبه بمبايعة سياسية لـ30 يونيو وللسيسى، خاصة فى مواجهته للإرهاب. ثانياً: كان المؤتمر تأكيدا وإعلاناً عن استقرار مصر بالرغم من تلك المحاولات الفاشلة لإثبات عكس ذلك، وتقديراً لدور مصر التاريخى فى المنطقة وفى العالم، ومع هذا النجاح الرائع الذى يعطى أملا فى مستقبل يوحى ببناء مصر الحديثة، يجب ألا نتعامل مع الحدث بطريقة عاطفية كعادتنا، ونتصور أن مشاكلنا قد حلت وأن اقتصادنا قد قوى، وأن آمالنا قد تحققت، أو أن العائد السريع لهذا المؤتمر سيكون تعليماً راقياً وعلاجاً شافياً وعملاً لكل عاطل، بل لا بد أن نأخذ الأمر بالعقل والمنطق، فالمستثمر جاء ليحقق مصالحه قبل مصلحتنا، جاء بعد أن تأكد أن الدولة قد هيأت له المناخ، فالضرائب خفضت والأراضى ستكون متاحة وكل التسهيلات ستكون بين يديه وأرباحه سيحولها إلى أين يريد، إضافة لأنه ليست كل المشروعات المستثمر فيها مشروعات إنتاجية يحتاجها الوطن ويقوى بها الاقتصاد، ولكنها مشروعات عقارية أو ترفيهية أو استهلاكية، وهنا لا نقلل من ضرورة وأهمية الاستثمار فى ظل ظروفنا الاقتصادية.
ولكن ننبه لعدة أمور أولها: أن التوازن الحقيقى الذى يضمن بناء الوطن فى ضوء سلام اجتماعى واضح، هو أن يتوازى مع هذا تحقيق عدالة اجتماعية على أرض الواقع بعيداً عن الشعارات النظرية وفى أقرب وقت، حتى يشعر المواطن بأن النظام يضعه فى قائمة أولوياته، وهذا طبيعى لتحقيق الثورة. ثانياً: أن الاستثمار بمفرده لا يبنى اقتصاداً ولا يقيم عثرة وطن، ولكن بناء الأوطان لا يكون بغير جهد أولادها وعرق أبنائها وإنتاج مواطنيها ونظافة يد حاكميها للقضاء على الفساد وإعادة تفعيل وتشغيل الجهاز الإدارى المنهار. ثالثاً: العبرة بالنتائج والنهايات، فأهم من إعلان الاستثمارات هو تنفيذها وتحقيقها على أرض الواقع، الشىء الذى يتطلب مناخاً جديداً وعقلاً سديداً وفكراً ناضجاً وإرادة صلبة، والأهم الإيمان والانتماء بحب الوطن الذى هو وطن كل المصريين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة