أكرم القصاص - علا الشافعي

"الخيال والجمال" فى "حكايات الحسن والحزن" لأحمد شوقى على

الخميس، 26 فبراير 2015 03:07 م
"الخيال والجمال" فى "حكايات الحسن والحزن" لأحمد شوقى على غلاف الرواية
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى "حكايات الحسن والحزن" لأحمد شوقى تكون على موعد مع قراءة جديدة ومغايرة لقصة خلق العالم، بعيدا عن الحكايات التوراتية والكتب الدينية، يكتب أحمد شوقى حكايات الجنة والنار والدخول والخروج والبعث أحيانا، وذلك من خلال تتبعنا لحكاية "خامل" المعافر دون شطارة مع الحياة، و"سيدة" الموعودة بالعذاب، و"مسعدة" الواهبة روحها لنجدة العالم و"رئيسة" مالكة العالم الجديد الفائزة والخاسرة فى هذه الحياة، و"غريب" العفريت المهموم بإيجاد جنية الأحلام و"فتحى" المشارك دائما فى صنع سرد أحمد شوقى على.

فى "حكايات الحسن والحزن" الصادرة عن دار الآداب البيروتية، استطاع الكاتب أحمد شوقى على، مبكرا جدا، أن يعرف طريقه ومنهجه فى الكتابة، ففى رواية تبدو واقعيتها "غريبة" لكونها مخلوطة بالسحر، وفى "مكان" غير واضح تماما كما يليق بحكاية تمثل "الغرائبية" إحدى طرقها، كان الهروب الذى قام به خامل، أو لنقل الأرض التى نفى نفسه إليها هى أرض الجوافة، وهى أرض معجونة بحكايات العفاريت، فـ"غريب" هو الوحيد الذى يعرف تاريخها تماما، يعرف حاجتها الملحة للمرأة، حتى لا يصاب رجالها بالصدأ ولا ينكحون "الجوافة" بديلا عن امرأة متمناة، لذا كان سعيه الحثيث دائما لإيجاد جنية الأحلام، يعرفها وينتظرها، وإن كان لا يعرف كيفية إيجادها، لديه احتمالات شبه مؤكدة لمجيئها، فعمل "غريب" على صنع المصادفات التى تصنع حياة أسرة خامل، كل ذلك كى يهيئ العالم لمجىء جنية الأحلام، واستعان فى هذا الأمر بـ"فتحى" الذى هو روح "أحمد شوقى" كى يتصبر به على المعاناة التى يعيشها، وعليه جاء ظهور "غريب" فى أحداث الرواية مندسا بين سطورها حتى ينطلى على الشخصيات الرئيسية "وهم" أنهم من يصنعون أقدارهم ولا يعرفون أن "غريب" كان يقودهم من حيث لا يعلمون لتحقيق هدف هو يريده ويعلمه، هذا السرد "العفاريتى" لا نشعر به إلا فى كم الاحتمالات للحكاية الواحدة، وفى تفسير بعض ما أغلق علينا من أحداث، وفى الكشف عن المخبوء تحت ركام التناقض الإنسانى الذى تتشكل منه عائلة "خامل" وبالتالى يتشكل منه العالم.

ينتمى "شوقى" لفئة الروائيين الحكائين، الذين تشغلهم الحكاية، يعافرون بها ومعها، وهؤلاء يراهنون على القارئ، يدفعونه ليكون شريكا لهم فى كتابة الرواية، عن طريق كثرة التفاصيل الصغيرة التى يجد نفسه مشاركا فيها، فشخصية "غريب" لا توجه حديثها إلى أبطال الرواية، إنما تخص حديثها للقارئ، حتى لو تظاهرت بأنها تشعر بالوحدة وتحكى للقط فتحى، فى الحقيقة هو يسأل القارئ عن الخطوة التالية ويغوص معه فى قلب الشخصيات ويخبره بعض التفاصيل المستقبلية.

ورغم اهتمام "شوقى" بالقارئ نجده يقدم تفاصيل مختلفة لا تتفق مع الذوق العام للقارئ فى "التلقى" ويتمثل ذلك فى مفهوم "الجمال" الذى يتبناه شوقى فى "حكايات الحسن والحزن"، الحكايات كما هو واضح تجمع بين جزأين غير متناقضين لكنهما من عالمين مختلفين، "الحسن" يعنى الجمالى لكنه لا يعنى المفرح ولا المبهج و"الحزن" يعنى الشجن ولا يعنى القبيح، لذا وبناء على هذا التجاور المختلف غير المتنافر، لأنه يصلح أن يتجاور "الحسن" و"الحزن" لكنهما "معا"سينتجان لنا مفهوما جماليا مغايرا ومختلفا كما رأى أحمد شوقى، مثلا عندما كانت رئيسة زوجة الأخ "خامل" ومسعدة "الأم" تهيئان "سيدة" الأخت، لزواجها الثانى من "فوزى حصالة" بعد ترملها من "عبد السلام" وكانت "سيدة" قد تركت جسدها مثل غابة برية وقد تجمع على شعرها الهش "طحالب" فى وصف شوقى لهذه الهيئة التى ربما يراها القارئ "منفرة" بينما يرى السارد فيها مستوى ما من الجمال، ربما أحال شوقى هذا الإعجاب للعفريت "غريب" لكنه على مستوى الكتابة لم يستطع شوقى مقاومة أن يجد نوعا من الجمال من حيث لا نتوقع وجوده، كذلك تريثه فى وصف ولادة رئيسة، والتى عادة تشير إليها الكتابات فى السرد الروائى بطريقة مسرعة، لكن "حكايات الحسن والحزن" استغلت حالة الكتابة التى تأتى تحت ضغط الولادة لتكشف لنا قدرا أكبر عن الشخصيات التى لا نعرفها، والتمهل كثيرا فى إحساس "رئيسة" بالألم ليس على مستوى الإيذاء النفسى للقارئ لكنه على مستوى صنع نوع من جمال هذا الألم فى الكتابة، كذلك موقف "بتر قدم سيدة"، تتبع الرحلة الصعبة من البداية للنهاية فى كتابة جمالية عن موقف غير جميل، بما يقدم مستوى معين من مفهوم الكتابة وعلاقته بالكتابة الرومانسية، بما يعكس طريقة تفكير السرد المختلف وتنوع مفهوم "الجمال" فى الحياة.

وتظل شخصية "خامل" هى المنذورة للوجع الكبير فى الرواية، حيث جاءت نهايتها تتسق مع بداية الحياة، وكأن الذى نعيشه هو "مطاردة الرياح" كما تقول الكتب المقدسة، بعد أن تدور الحياة دورتها، ينتهى حيث كان مقدرا أن تكون نهايته منذ البداية، مات فى النهر الذى دان له بحياته الأولى حيث عاد ليسدد ما عليه، ففى النهاية يستقر جسده فى "الماء" بعد أن دار دورته الكاملة فى الأخذ والعطاء، وحيث اللصوص الذين كان مقدرا لهم أن يسرقوه طفلا، سرقوا ما هو أهم عندما أصبح "رجلا" مستعدا للرحيل.


موضوعات متعلقة..



بالصور..أحمد شوقى يوقع روايته "حكايات الحسن والحزن" بمعرض الكتاب










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة