الفرق بين العربدة التركية والاحترام المصرى للدول

الإثنين، 23 فبراير 2015 09:33 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فجر أمس نفذت القوات التركية عملية عسكرية موسعة داخل الأراضى السورية لنقل رفات سليمان شاه، جد مؤسس الإمبراطورية العثمانية عثمان الأول، كما أعادت 40 جنديا تركيا كانوا يحرسون ضريح سليمان شاه، ودخلت دبابات تركية تدعمها طائرات بدون طيار وطائرات استطلاع سوريا لتنفيذ العملية، وحينما سأل أحد الصحفيين رئيس الوزراء التركى أحمد داود أوغلو هل نسقت بلاده مع أحد فى هذه العملية وخاصة مع سوريا، كان رد أوغلو صادما، حينما قال إن تركيا لم تطلب إذنا ولا مساعدة فى المهمة، لكنها أخبرت حلفاء فى التحالف الدولى ضد تنظيم داعش بمجرد بدء العملية.
ما قاله رئيس الوزراء التركى يؤكد الطريقة التى تتعامل بها تركيا مع جيرانها، فهى لا تقيم وزنا لفكرة سيادة الدول على أراضيها، ولا تعترف بها كما لو أن حقبة الخلافة العثمانية عادت مرة أخرى مع رجب طيب أردوغان الذى يحلم بالزعامة بأى طريقة. ما فعلته تركيا يذكرنى بما فعلته مصر الأسبوع الماضى حينما ضربت معاقل داعش داخل الأراضى الليبية مع فارق جوهرى بين الدولتين، فتركيا تعاملت بمنطق الفتوة، بينما مصر تحترم سيادة الدول، فقبل أن تنفذ ضرباتها الجوية بعد ذبح تنظيم داعش الإرهابى لـ21 مصريا، نسقت مصر مع الحكومة الليبية الشرعية، بل إن القوات الجوية الليبية شاركت مصر فى هذه الضربات، بما يؤكد احترام مصر للقوانين والأعراف الدولية، وأنه مهما حدث فلن تخرق سيادة الدول على أراضيها، على عكس الحكومة التركية التى تعاملت بنظرية العربدة.
بخلاف العربدة التركية داخل الأراضى السورية التى يجب ألا تمر مرور الكرام، فإننى حينما تابعت الردود الداخلية والدولية على الضربات الجوية التى نفذتها مصر ضد معاقل داعش فإننى تيقنت أن هناك أطرافا لاتزال تروج لهذه الضربات بمنطق مغاير لحقيقتها وهدفها، وهؤلاء لهم مغزى من ذلك وهو توريط مصر وإحراجها، رغم أن الثابت أنه لم يكن من أهداف الضربات المصرية إعادة هندسة الوضع السياسى فى ليبيا كما يحاول أعداء مصر الترويج، أو إنهاء وجود داعش بشكل كامل فى ليبيا، فهذا الدور لا تقدر عليه مصر بمفردها، وإنما هو مسؤولية دولية يجب أن تضطلع بها كل الدول والمؤسسات الإقليمية والدولية التى وقفت خلف قرار دخول الناتو فى ليبيا لإزاحة حكم معمر القذافى دون أن يكون لديهم تصور لمستقبل ليبيا، فهذه القوى عليها العمل لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح فى ليبيا، وهو ما أكدته مصر مرارا وتكرارا، فى رسائل متعددة بعث بها الرئيس عبد الفتاح السيسى بأن الناتو والمجتمع الدولى عليهما الدور الأكبر فى حل الأزمة الليبية، باعتبارهم كانوا الأساس فيها.
فالضربة المصرية التى حاول البعض استغلالها لتأليب الرأى العام الليبى والدولى ضد مصر، فى حقيقتها هدفت إلى تحقيق عدد من الأمور الثابتة لدى الدولة المصرية، وهو ما سبق أن أكده السيسى فى لقاءات متعددة، ومن بينها أن تصل الرسالة للجميع بأن مصر لا تخشى المواجهة، وأنها قادرة على القيام بحشد عسكرى لتحقيق أهداف مُحددة، ومن أهمها رد كرامة المصريين إذا ما تعرض أحدهم لمخاطر خارج حدود الدولة المصرية، فرغم تشكيك البعض فى قدرة مصر على الرد فى واقعة ذبح داعش للمصريين فإن الرد المصرى كان سريعا، بل أسرع مما تصورنا جميعا، وبشكل فاجأ الكل بما فيهم القوى الدولية الكبرى ومن بينها الولايات المتحدة الأمريكية التى قالت إنها لم تأخذ علما بالضربة المصرية إلا بعد تنفيذها.
الرسالة المصرية من خلال هذه الضربة كانت ولاتزال واضحة، وهى أن تعرض أى مصرى سواء داخل الحدود المصرية أو خارجها سيقابل برد سريع وقوى وفعال، شريطة ألا يكون فى هذا الرد انتهاك أو اعتداء على سيادة أى دولة شقيقة، وهو ما حدث مع ليبيا حينما جرى التنسيق بين القيادتين المصرية والليبية قبل الضربة وأثناءها وبعدها، كما أن هذه الضربة أعطت مثالا واضحا للجميع حول أن الدولة المصرية لا تفرق فى تعاملها بين المصريين، فالمسلم والمسيحى هما فى الأساس مصريان وهما عماد الدولة المصرية.
ويبقى الأهم، وهو ما أكده السيسى منذ أيام، بأن مصر ليست دولة محتلة أو هدفها غزو آخرين، وإنما تدخلت بعدما حدث اعتداء على حرمة مواطنيها، كما أن هذا التدخل ربما يكون الدافع للمجتمع الدولى لإعادة النظر مرة أخرى للقضية والأزمة الليبية، فى محاولة لإيجاد حل خاصة أن قوى إقليمية ودولية تمتلك مفاتيح للحل من خلال علاقاتها ودعمها للميليشيات المسلحة، وتستطيع إجبار هذه الميليشيات للجلوس على مائدة الحوار والقبول بالتوافقات التى سيتم الانتهاء إليها.
هذا بعض من أهداف الضربة المصرية لمعاقل داعش فى ليبيا، وهو ما وضح من خلال الحملة الدبلوماسية التى قامت بها مصر خلال الأسبوع الماضى فى العاصمة الأمريكية واشنطن وفى نيويورك، حينما وضعت مصر المجتمع الدولى أمام مسؤولياته تجاه الأوضاع المزرية فى ليبيا، وأن مصر لن تقف صامتة أمام حالة التفكك التى تعيشها الجارة الغربية لنا، لكن للأسف الشديد فإن المجتمع الدولى مازال حتى الآن يصم آذانه أمام الواقع ويرفض التجاوب مع المطالب المصرية الليبية، ومنها رفع حظر تسليح الجيش والشرطة الليبية، دون أن تعطى هذه القوى ردا مقنعا لرفضهم هذا، اللهم إلا إذا كانوا يرغبون فى عودة جماعة الإخوان الإرهابية لتكون جزءًا من المعادلة السياسية، ليس فى ليبيا بمفردها وإنما فى مصر أيضا، وهو حلم بعيد المنال.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة