فى بدايات الألفية الثالثة، تبنى نظام مبارك سياسة منظّمة لإلهاء للشعب وتميزّ بقدرته على اصطناع الأزمات، حتى تبلغ قلوب الناس الحناجر ثم يتدخل فى اللحظة المناسبة لفك الكرب، فتلهث الألسنة بالدعاء له ظاهرا وتلعنه فى سرها وفى جوف الليل، من تلك الاصطناعات، تفتق ذهن جهابذة النظام وقتها عن إطلاق "مبادرة حاسب لكل بيت" كانت الغاية المعلنة للمبادرة التغلّب على الأميّة المعلوماتية للناس، من خلال التوسع فى توزيع الحواسب الآلية بأسعار معقولة وبالتقسيط، وتوفير خدمات انترنت سريعة.
أطلقت الدولة المارد من القمقم، فهيّئت بيديها المناخ لنشأة جيل من الشعب قادر على الالتفاف على طرق الأمن التقليدية، ظهرت نتائج تلك المبادرة بعد سنوات عشر تقريبا، فى صورة بنية رقمية افتراضية قوية قادرة على الضغط والتواصل والحشد والتعبئة، أرعبت الدولة وأربكتها ثم أسقطتها ( الحق أن مبارك هو الصانع الفعلى لهبّة يناير 2011، صنعها قبل سنوات عشر وجنى ثمارها هو لا غير).
التوسع فى الثورة المعلوماتية وخدمات الإنترنت، وخلال عقد كامل أنتج خبرات عالية فى التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعى، ولعل المصريون هم الشعب الوحيد فى الفترة الماضية التى سخّرت هذه التقنية للتحايل على الدولة والالتفاف على أجهزة مبارك الأمنية.
من ضمن حسنات مواقع التواصل الاجتماعى، (التى تؤرق الدولة منذ ما قبل يناير 2011) الوصول السريع للمعلومة ونشر الخبر والقدرة على الحشد والتعبئة. ونحسب أن "هبّة يناير 2011" كثورة منقوصة لم تقم إلاّ بهذه الأداة التقنية.
الدولة بأجهزتها وقضّها وقضيضها الأمنى المباركى، لم تنتبه لخطورة هذه الأداة إلاّ بنهاية يوم الثامن والعشرين من يناير 2011، حيث تبيّن للكافة خطورة الحدث وهول النتائج.. قرأت المشهد وقتها أطراف كثيرة بعضها ظاهرا للعيان وأخرى متخّفية.
المستغرب أن دولة بحجم مصر وبقدراتها البشرية والإنفاق العام على الأمن ( نظام مبارك )، سقطت فى ثمانية عشر يوما فقط، يرى البعض السبب الرئيسى إلى أن الصراع كان بين أدوات أمنية قمعية عتيقة وبين أخرى مرنة قادرة على الوصول والتواصل بسهولة، فكانت الغلبة للتقدم.
ولا تزال تلك التقنية ( مواقع التواصل الاجتماعى ) قادرة على الضغط والحشد والتعبئة وإجبار الدولة على تغيير سياساتها ومراجعة قراراتها وخياراتها الخاطئة كثيرا، لعل أزمة سويعات المطر فى الإسكندرية شاهدا على عُمق القدرة وقوة الضغط والتأثير ووهن الدولة وتخاذلها.
التقنية صالحة، وقادرة وبقدرتها تتخطى دور البرلمان القادم وتأثيره، ونزعم أن الرقابة الشعبية فى المرحلة القادمة ستكون لهذه التقنيات وعلى كافة الأصعدة بمن فيها الدور البرلمانى نفسه.
محمود حمدون يكتب: عندما تكون الغلبة للواقع الافتراضى
الخميس، 03 ديسمبر 2015 12:00 م
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ايمن
العالم الافتراضى
اللة عليك