ويبقى السؤال معلقًا فوق الرؤوس، متبوعاً بعلامة تعجب ضخمة . ولا ريب لدينا جميعاً أن المفتاح المناسب لكل المغالق هو فى إجابة هذا السؤال . فما السؤال إذن ؟ . السؤال هو : ماهى القوة الجاذبة لدى تنظيم داعش ، ليست موجودة لدينا ؟ . وما هى القوة الطاردة لدينا وليست موجودة عند داعش ؟ . هاتان القوتان هما الأصل فى انتقال الشباب من الجانب المعتدل ، إلى الجانب المتطرف . من التيار العام الغالب ، إلى التيار الراديكالى الجارف . من جانب السماحة والرحمة واليسر ، إلى جانب القساوة والغلظة والفجور . من جانب الحياة والتعمير ، إلى جانب القتل والتدمير .
ذهب البعض فى محاولة للإجابة عن هذا السؤال ، وتفسير هذه الظاهرة ، إلى القول بقضية الفقر ، فظهر أعضاء فى خلايا إرهابية ، يعانون من الترف والرفاهية . وذهب البعض الآخر فى إجابته وتفسيره إلى القول بضآلة ومحدودية مستوى التعليم ، فظهر من بينهم من هو حاصل على الدكتوراه ، وبلغ درجة الأستاذية فى مجاله . بل وفى مجال العلوم الإسلامية . وذهب بعض ثالث إلى القول بالإحساس بالقهر والاضطهاد والتسلط الذى تعرضت له البلدان الإسلامية، على أيدى الدول الاستعمارية ، والحروب الصليبية الظاهرة والخفية، الخشنة والناعمة التى تقع فى مواجهة الإسلام، فإذا ببعض هذه الجماعات تتوجه بنشاطها التخريبى الإرهابى إلى الدول الإسلامية بدلاً من التوجه إلى الدول، مصدر الخطر على الإسلام والمسلمين، إن كان ذلك مفهومهم، وذهب بعض رابع إلى القول بأن جذور الفكر الإرهابى موجودة فى التراث الإسلامى ، وفى طيات الكتب القديمة ، وفى سطورها ، وبين سطورها . إلا أن هذا البعض لم يستطع أن يفسر لنا كيف يجمع الكتاب المقدس للمسلمين بين آيات التفجير والعدوانية والإرهاب ، وآيات الرحمة والسلام .
ربما يكون كل مذهب من هذه المذاهب فى الإجابة ، ومحاولة التفسير ، له طرف ، أو نمنمة ـ ظاهرة أو خفية ـ فى تركيبة شخصية المتطرف الإرهابى . وقد تمثل فى مجموعها أثراً بالغاً فى تكوين الشخصية ، إلا أنها ليست الرافد الرئيس لهذا التكوين .وقد يمثل علاجها أو علاج بعضها حلاً مؤقتاً ، أقرب إلى علاج المسكنات الذى قد يخفف العرض إلا أنه لا يعالج المرض .
أعلم أن هناك من قال فى محاولة الإجابة ، أو التفسير بنظرية المؤامرة . المؤامرة الأورو/ أمريكية على المنطقة لأسباب ودواعى شتى ، منه ما نعلمه ، وما خفى منه أعظم . وأنا لست ضد نظرية المؤامرة بالمطلق ، ولا معها بالطلق . وإشكالية نظرية المؤامرة عندى فى تساؤل مؤداه : هل المؤامرة سبب أم نتيجة ؟ . والأمر هنا قد يختلط فيه السبب بالنتيجة على نحو يتعذر معه التدخل الجراحى للفصل بينهما . وفى الحالتين تكون نقطة البداية لدينا فى السبب والنتيجة . ولابد أن نعترف بأن الغرب يجيد استخدام الظاهرة لخدمة أغراضه ، سواء اختلقها أو استغلها .
ويبقى السؤال الأهم : ماهى العوامل الطاردة لدينا ، والجاذبة لديهم ، والتى تدفع الشباب إلى مغادرتنا ، والذهاب إليهم ؟ .
الجميع يلقى باللوم على الشباب ، وينسى نفسه ، مع أن الشباب تفاعل مع قناعاته التى آمن بها وصدقها ، وطبيعى أن ينجذب إلى ما يخدم هذه القناعات . فهل استطعنا نحن الوقوف على هذه القناعات ، والتفاعل معها ، وترشيدها ، دون أن نترك فى نفوس الشباب انطباعات الوصاية والرقابة .
الخلل الحقيقى لدينا نحن ، فنحن من فشل فى اللحاق بركاب العصر ، وفشلنا فى التواصل مع الشباب الذى يعيش عصره ، وينفعل به ، ويتفاعل معه ، منسلخاً عن حالة الجذب إلى الخلف التى نمثلها له ، فانفلت من العقال ، عقال العادات والتقاليد والأخلاق التى فشلنا فى تقديمها له مبررة مقنعة ، فأصبحت من وجهة نظره لا شىء . فشلنا فى نقل الدين من بطون أمهات الكتب إلى سلوكنا ومنهجنا المعاصر فى الحياة ، ولم نحافظ منه إلا على المظاهر والقشور.
وفى الجانب الآخر ، نجد من قدم للشباب نماذج محددة واضحة قاطعة للسلوك . وبمنطقهم المحكوم بقاعدة " هات من الآخر " ، قدموا للشباب صورة الإسلام ، وصورة المسلم . نماذج سلوكية غير مترددة ، تتسم بالوضوح والصراحة والصرامة . بغض النظر عن مدى صحتها ، أو مطابقتها للشرع الحنيف . إلا أنها انتقلت من مستوى الكلام المسطور ، إلى مستوى السلوك المنظور .
إذن المطلوب أن نفتش على الإجابة والتفسير فى حجورنا نحن دون مواربة ، أو لف ودوران .
حــســــن زايـــد يكتب: قبل أن تلوموا الشباب لوموا أنفسكم
الأحد، 13 ديسمبر 2015 02:00 م
داعش
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة