أصبحوا أبطالاً أولئك الذين ضحوا بأرواحهم لنيل استقلال أوطانهم، وكذلك أصبحوا أبطالاً أولئك الذين ضحوا بأرواحهم من أجل استقلال أنفسهم، إن تحرير الإنسان لا يقل أهمية عن تحرير الأوطان، فيوضعون دائمًا فى نفس الميزان، فلا وطن حر بمواطنين ليسوا كذلك، ولا مواطنين أحرارًا فى وطن ليس كذلك، فالوطن والمواطن وجهان لعملة واحدة.
وقد نجحت حركات التحرر فى بلادنا قديما من نيل استقلال بعض البلدان سياسيًا، فأصبحت لها شخصية دولية معترف بها بين البلدان، لكن النجاح فى الاستقلال السياسى لم تستتبعه نجاحات فى الاستقلال فى نواحى أخرى مثل الاستقلال الاقتصادى، والاستقلال الثقافى، فقد ترك الاحتلال آثاره حتى إننا من السهل أن نجد آثار التبعية محفورة فى العديد من أوجه الحياة فى تلك البلدان.
ويبقى الإنسان هو التحدى وهو الهدف وهو الأمل وهو الضمير الواعى الساعى لنيل استقلاله رغم كل قيود التبعية، فالوطن الذى يملك مواطنوه الوعى بضرورة تحقيق الاستقلال فى باقى مناحى الحياة وطن قطع نصف الطريق لنيل حقه فى الاستقلال الحقيقى، ذلك لأن الوعى بالمشكلة هو نصف طريق الخروج منها.
الكثير من الشعوب اتخذوا قرار الاستقلال بعد هزائم قاسية، وقرروا دفع ثمن استقلالهم بتضحيتهم بالعديد من العادات التى باعوها ليشتروا حريتهم واستقلالهم بتجربتهم حياة جديدة بحلول ابتكروها فى الإدارة والصناعة والزراعة بل فى الحياة الاجتماعية والثقافية، حتى إنهم قطعوا خطوات عظيمة فى أزمنة قصيرة، فأصبحت لهم شخصية حقيقية وليست سياسية فقط.
إن محاولة الاستقلال لا تنجح فى وطن من الأوطان إلا حين ينجح مواطنوه من نيل استقلالهم، فلكل إنسان رحلته الخاصة فى نيل حقه فى الاستقلال من لحظة تمرد الطفل على المألوف ليكتشف بنفسه الجديد، حتى يشعر بضرورة تحوله من الطفولة إلى المراهقة، لكن فى بلادنا لا يعتبرون تلك المرحلة فرصة يستثمرونها بقدر ما يرونها مشكلة يحاولون إما الهروب منها أو مواجهتها بشكل يقضى على شخصية الإنسان وتطوره . ذلك لأنه فى تلك المرحلة تنبت العديد من المهارات لدى الإنسان طالبة الظهور لتتفاعل وتتطور، منها الشخصية الناقدة، التى ترى العيوب وتكشفها، والشخصية الثائرة التى تصر على وجهة نظرها حتى تقتنع بغيرها، وغيرها من المهارات التى إن أحسنت السلطة الأبوية استغلالها سيذهلون من نتائجها الرائعة فى زمن قصير، وإن تمت مواجهتها بالكبت والترهيب، سيذهلون من نتائجها السلبية المدمرة فى وقت قصير.
إن صورة صاحب الطاعة العمياء لكل ما يطلب منه وتصويره على أنه ذو الخلق الطيب هى صورة مريحة للسلطة الأبوية لأنها لا تثير المشاكل ، لكنها ليست صحية، فالطاعة الواعية المتعلمة وليست العمياء هى الأبقى، والإنسان الذى يفكر فيما يطلب منه ليختار ما يفعله هو الأصح، لذا كان التحدى الحقيقى لدى الآباء ومن يقومون بدور السلطة الأبوية ليست السيطرة على أولادهم بقدر ما هو تعليم أولادهم وتدريبهم على ما يتعلمونه بشكل سليم، فإذا ما أحسنوا تعليمهم أصبحت السيطرة والرقابة من داخلهم فى أنفسهم وعقولهم بما تعلموه وليست فى خوفهم من عقاب أو شعورهم بذنب.
لذا كان العلم والفهم والتدريب هو أهم سبل الاستقلال للإنسان فإذا استقل الإنسان من قيد جهله أصبح وطنه حرًا بنور علمه.
محمود كرم الدين محمود يكتب : الاستقلال بالعلم
الإثنين، 30 نوفمبر 2015 04:08 م
فصل دراسى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة